المهمة الغائبة

02:26 صباحا
قراءة دقيقتين

علاء الدين محمود


يكاد النقد أن يكون المهمة الغائبة بشكل، أو بآخر، عن النشاط الثقافي الإبداعي العربي، وبالطبع نقصد هنا الوظيفة الحقيقية؛ أي كونه يسهم بشكل مباشر في فتح آفاق المبدع والكاتب، وبالتالي تطوير مهاراته، وملكاته، وأدواته، فالواقع يقول إن الكثير من النقد الذي ظل يمارس كان يجري بعيداً عن وظيفة النقد، فهو إما أن يأتي مجاملة، وإما انطباعاً، وإما هجوماً، وفي كل هذه الحالات يجري إنشاء كلامي كثير تحت مسمى النقد من دون استناد إلى أدوات علمية حقيقية.

ومع الإقبال الكبير من قبل الشباب على الكتابة، فإن النصوص والأعمال الإبداعية تبحث عن الحكم الحقيقي في النقد، خاصة أن الكثير من دور النشر فتحت أبوابها من أجل الكسب التجاري على حساب المضمون، وهذا بالطبع يمثل تحدياً جديداً، وربما كانت له مبرراته التي مفادها أن عملية الإبداع يجب ألا تكون مقيدة بأي شكل من أشكال الوصاية، ولكن المعروف أن الكتابة الإبداعية لها أساسياتها، وقواعدها، وهي المحك، والمرجعية التي يجب أن يلتزم بها الجميع، فعملية النقد من شأنها أن تشير إلى مدى اتفاق النص الإبداعي مع هذه الأسس، وهنالك أيضاً من يحاول أن يقلل من قيمة وجود الناقد استناداً إلى مقولات من قبيل «موت الناقد»، ولكن هذا الاتجاه يقتلع المقولات من سياقها المفاهيمي، فلئن صحت تلك المقولة، فإن عملية النقد نفسها لا تموت، حيث تحتفظ بوظيفتها، مع اختلاف من يقومون بها.

إن جميع الأفكار التي تناولت النقد، وأهميته، ومستقبله، طالبت بناقد جديد، ومختلف، لا ينحاز، أو يشخصن الأمور، ويتحرر من ثنائية «كره وحب»، بالتالي، فهذا الأمر يعني إعادة الاعتبار للصرامة النقدية، وهي بطبيعة الحال مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بشروط الإبداع نفسه، فالناقد لا يأتي بشيء جديد، كما أن عملية النقد نفسها لا تخرج عن الأسس والشروط الموجودة في الكتابة، وإذا نظرنا إلى القضية بهذه الكيفية نجد أن الناقد منحاز بالفعل، لكنه ينحاز لشروط الإبداع، والقيم الجمالية في العمل الأدبي.

وعلى الرغم من سهولة الكتابة بسبب الثورة التكنولوجية، يظل العمل الإبداعي عصياً إلا على مبدعين حقيقيين، وحتى تلك الخواطر الأدبية التي تنشر على مواقع التواصل، تجد نقداً من المتابعين والأصدقاء، فالتداول حول نص معين، أو كتابة معينة، يحمل في مضامينه بعضاً من روح النقد، وهذا يشير إلى أن عملية النقد لا فكاك منها، ولكن يختلف الذين يمارسونها في الوقت المحدد، والمكان المعين، وفي الحقيقة أن هذا الأمر ظل موضع نقاش كبير بين كتاب، ونقاد، وأكاديميين، وصحفيين، وفي كل مرة كان يطرح سؤال: لماذا توكل عملية النقد إلى أشخاص من دون غيرهم؟ وبالطبع تختلف الإجابات، ولكن الثابت هو وجود النقد، ودوره المهم في تقويم الإبداع.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"