«جورج فلويد».. يفجّر التناقضات الأمريكية

02:25 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. إكرام بدرالدين *

تشهد الولايات المتحدة اندلاع تظاهرات عارمة في عشرات المدن، أعقبت مقتل مواطن أمريكي من أصول إفريقية على يد أحد رجال الشرطة الأمريكية، وشملت التظاهرات أيضاً العاصمة الأمريكية واشنطن، واقتربت من البيت الأبيض مقر الرئاسة الأمريكية.
كما تصاعدت التظاهرات، تزايدت أيضاً حدة التوتر بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وبين مجلس النواب والرئيس الأمريكي، ويمكن تناول هذه التظاهرات وتداعياتها السياسية من خلال المحاور التالية:


أولاً: الطبيعة التعددية للمجتمع الأمريكي:


إن المجتمع الأمريكي يتسم بكونه يعد مجتمعاً تعددياً (plural society)؛ حيث يتواجد فيه العديد من الأجناس والأعراق وذوي الأصول المختلفة، ويرجع ذلك إلى طبيعة نشأة الولايات المتحدة؛ لأنها تعد تكويناً استيطانياً في الأصل؛ أي وفد إليها المهاجرون من جميع أنحاء العالم؛ ولذلك تتواجد فيها الأجناس المتعددة أي الأبيض، والإفريقي، إضافة إلى ذوي الأصول اللاتينية، والآسيوية، والشرق أوسطية، ومتعدد الأديان والثقافات؛ ولذلك أطلق البعض على المجتمع الأمريكي اصطلاح «أمة من أمم» a nation of nations، ونتيجة لهذه التعددية والاختلافات؛ اندلعت الحرب الأهلية الأمريكية في بدايات تكوين الدولة الأمريكية بين ولايات الشمال وولايات الجنوب، والتي استمرت سنوات ثم انتهت وحققت الولايات المتحدة التكامل القومي، أي اندماج الجميع في المجتمع الأمريكي والقومية الأمريكية، على الرغم من اختلاف الأجناس والثقافات والأديان؛ وذلك من خلال اتباع استراتيجية أطلق عليها «بوتقة الصهر» Melting pot أي ذوبان الجميع في مجتمع واحد وقومية واحدة.


ثانياً: قضية سياسية:


اندلعت التظاهرات الحادة في الولايات المتحدة، عقب مقتل المواطن الأمريكي من أصول إفريقية جورج فلويد من جانب أحد رجال الشرطة الأمريكية، ما أثار استياء العديد من المواطنين الأمريكيين من ذوي الأصول الإفريقية، ونزولهم إلى الشارع معبرين عن الاستياء وعدم الرضا، وربما أسهمت بعض التصريحات المستفزة في تأجيج الأوضاع والتحول من قضية جنائية يفترض فيها معاقبة الجاني أو المتسبب في قتل شخص أو مواطن أمريكي؛ لكي تصبح أقرب إلى كونها قضية سياسية تنطوي على مجابهات عنصرية بين الجماعات التي ينتمي إليها القتيل من ذوي الأصول الإفريقية، والجماعات الأخرى التي ينتمي إليها رجل الشرطة الأبيض، وازدياد الوضع اشتعالاً مع التصريحات التي اتهمت المتظاهرين بكونهم يعدون إرهابيين ومخربين.


ثالثاً: تأثير التظاهرات:


يبدو أن التظاهرات المتصاعدة في الولايات المتحدة في الفترة الأخيرة، ستترك آثارها بالضرورة على النظام السياسي الأمريكي وعلى الانتخابات الرئاسية الأمريكية في شهر نوفمبر/‏ تشرين الثاني المقبل، وعلى العلاقة بين الحزبين الجمهوري، الذي ينتمي إليه الرئيس ترامب، والحزب المنافس، وهو الحزب الديمقراطي، والذي ينتمي إليه المرشح الرئاسي المحتمل بايدن، نائب الرئيس الأمريكي السابق، كما ستؤثر هذه التظاهرات، أيضاً، على الأرجح في توجهات الناخب الأمريكي في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
ويمكن القول، إن خطورة هذه التظاهرات تكتسب بعداً إضافياً؛ من حيث التوقيت، أو الزمن الذي تحدث فيه، بمعنى أنها تأتي متزامنة مع أزمات أخرى تواجه المجتمع الأمريكي، وتواجه الرئيس ترامب، وهي أزمة كورونا، والتي أثرت في العالم ككل وفي المجتمع الأمريكي، إضافة إلى الأزمة التي يعانيها الاقتصاد الأمريكي وما تحمله من خسائر فادحة، ربما تكون غير مسبوقة منذ الكساد الكبير من قرابة قرن من الزمان، يضاف إلى ذلك إثارة النزعة العنصرية، والتي تمثل أقصى درجات عدم المساواة في نظام يأخذ بالديمقراطية الليبرالية
وتدور في هذا الجو اتهامات متبادلة بين الجمهوريين والرئيس ترامب من جانب والديمقراطيين وبايدن مرشح الحزب الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية من جانب آخر؛ حيث يحاول كل طرف استغلال التطورات في الموقف لمصلحته، ومهاجمة الطرف الآخر.
ويمكن القول: إن تأثير هذه التظاهرات والأزمات السياسية والاقتصادية والصحية، التي تشهدها الولايات المتحدة على الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وعلى فرص الرئيس ترامب في الفوز بهذه الانتخابات، التي يفصلنا عنها قرابة خمسة أشهر تتوقف على عدة اعتبارات، وهي: مدى نجاحه في إدارة ومواجهة الأزمات المتعددة، والتي تتعرض لها الولايات المتحدة، والتأثير المتوقع لانصراف الأمريكيين من ذوي الأصول الإفريقية، وربما من ذوي الأصول اللاتينية عن تأييده بأصواتهم في الانتخابات، فضلاً عن احتمال انصراف النساء وكبار السن عن تأييده.
ويرتبط بذلك أيضاً قدرة الحزب الديمقراطي ومرشحه الرئاسي على استغلال هذه الظروف لمصلحته. ولعل أهم وأخطر العوامل المؤثرة في اعتقادي هي القدرة على اكتساب الأصوات المتأرجحة؛ أي غير المحدد تصويتها للجمهوريين أو الديمقراطيين، وهي نسبة كبيرة، فمن المتوقع أن من ينجح في ذلك تتزايد احتمالات فوزه.

* أستاذ العلوم السياسية - جامعة القاهرة

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"