سوريا في معادلة الأمن القومي

03:18 صباحا
قراءة 3 دقائق
الحسين الزاوي


هناك حاجة عربية لإعادة إدماج سوريا في معادلة الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط؛ لمواجهة العديد من التحديات التي من أبرزها الصراع الوجودي مع «إسرائيل» والسياسات التركية.

قادت التحولات الجيوسياسية التي يعرفها الوطن العربي نتيجة للصراع الإقليمي والدولي على النفوذ والثروة في مناطق متعددة من الجغرافيا العربية، إلى تزايد الوعي داخل النخب السياسية العربية بالأهمية التي تمثلها سوريا في معادلة الأمن القومي العربي، في مرحلة تشهد فيها المنطقة عملية إعادة تشكيل للخريطة السياسية للوطن العربي من شأنها أن تطيح بالتوازنات التي جرى ترسيخها منذ تأسيس الدول الوطنية بعد خروج الاستعمارين البريطاني والفرنسي، وبخاصة في ظل التحولات الناجمة عن انحصار الدور الأمريكي، ودخول روسيا كلاعب محوري في الشرق الأوسط، فضلاً عن التدخلات التركية الساعية إلى تنفيذ أجندتها في المنطقة.

ويمكن القول إن هناك الكثير من المقاربات الجيوسياسية العربية التي باتت تتعامل مع المسألة السورية من زاوية التغيّرات الإقليمية التي تتطلب عودة الدولة السورية إلى أحضان «العائلة العربية»، من أجل التصدي لمخططات القوى التي تهدّد الأمن القومي العربي، وهي مقاربات واقعية تتعامل مع مسألة مستقبل نظام الحكم في هذا البلد، من منطلق كونها شأناً داخلياً يهم الشعب السوري بالدرجة الأولى، وذلك في تعارض واضح مع قوى الإسلام السياسي التي تتبنى بشكل واضح الأجندة التركية التي تزعزع استقرار الدول الوطنية في المنطقة، وتعمل على استثمار معاناة الشعبين السوري، والليبي لتنفيذ مخططات القوى الأجنبية في المنطقة العربية مشرقاً ومغرباً.

ونجد هذه الحاجة المتعلقة بعودة سوريا إلى الحضن العربي لدى قطاع واسع من الرأي العام في دول المغرب العربي، باستثناء بعض الأحزاب ذات المرجعية الإخوانية، والشيء نفسه يمكن أن يقال عن المواقف السياسية الرسمية لدول المنطقة، إذ إنه، وباستثناء حكومة السراج في ليبيا، وحزب النهضة في تونس، فإن الدول المغاربية ترحب بهذه العودة، حيث سبق للمغرب أن عبّر عن تأييده للحوار بشأن عودة سوريا للجامعة العربية، وهي العودة نفسها التي سعت الجزائر إلى تجسيدها على مستوى القمة العربية التي كان من المفترض عقدها في عاصمتها، والتي جرى تأجيلها بسبب ظروف الجائحة؛ وكانت الجزائر أفصحت عن موقفها السياسي بكل وضوح عندما رفضت التدخل التركي في شمال سوريا، وحرصت على المحافظة على تمثيلها الدبلوماسي في دمشق خلال كل سنوات الأزمة السورية.

أما بالنسبة للموقف المصري من الملف السوري، فقد تبلور بشكل تدريجي منذ سقوط حكم «الإخوان» الذي كان من نتائجه المباشرة تزايد تمسك مصر بممارسة دورها التاريخي كقوة إقليمية محورية في المنطقة العربية، وحاجتها إلى تفعيل علاقاتها مع محيطها العربي، وقناعتها بضرورة استعادة الدولة السورية لدورها في معادلة الصراع الدولي والإقليمي، في مرحلة تحاول فيها دول الجوار أن تعيد ترتيب أوضاع المنطقة على حساب المصالح العربية، حيث أكد وزير الخارجية المصري أن بلاده «تعتزم إعادة سوريا إلى موقعها الطبيعي على الساحتين الإقليمية والدولية»، في سياق سعي القاهرة إلى الحفاظ على وحدة سوريا وسيادتها، بالنظر إلى الأهمية التاريخية والجيوسياسية التي تمثلها سوريا بالنسبة لمصر، مصداقاً لقول جمال حمدان إن أمن مصر القومي يمتد من جبال طوروس، إلى برقة.

وهناك في السياق نفسه تطورات لافتة في مواقف معظم دول الخليج العربي التي ترى أن التحولات التي يشهدها المحيط الإقليمي العربي تتطلب تفعيل الدور القومي لدول بحجم وأهمية سوريا، والعراق، حيث سبق للإمارات العربية المتحدة أن أشارت إلى أهمية هذا الدور من خلال تأكيد القيادة السياسية لهذا البلد دعمها ومساعدتها للشعب السوري الشقيق في هذه الظروف الاستثنائية المتعلقة بالجائحة، لأن دول الخليج المتمسكة بأجنداتها الوطنية والقومية تعي جيداً أهمية تجنيد كل الطاقات العربية من أجل المحافظة على الأمن القومي العربي، في مرحلة يضاعف فيها الوباء والعقوبات الأمريكية والغربية على دمشق من مآسي الشعب السوري الذي ما زال يطمح إلى التوصل إلى حل سياسي يحقن دماء أبنائه.

ومن الواضح في كل الأحوال، أن هناك حاجة عربية ملحة من أجل إعادة إدماج سوريا في معادلة الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط لمواجهة العديد من التحديات التي من أبرزها الصراع الوجودي مع «إسرائيل»، والسياسات التركية في المشرق والمغرب العربيين التي تشكل تهديداً واضحاً للمصالح العربية، بخاصة أن دول المنطقة ليس لها في مجملها خصومة شخصية مع القيادة التركية الحالية، ولكنها تعترض على تدخل أنقرة المستمر في شؤونها الداخلية. وبالتالي، فإن الدول العربية وإن كانت تتعامل بحذر وواقعية مع مصالح روسيا في سوريا بوصفها قوة عظمى لها حساباتها الجيوسياسية في المنطقة، إلا أنها لا ترغب في أن يظل هذا البلد العربي محاصراً ما بين النفوذ الروسي، والطموحات الإمبراطورية لتركيا.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

أستاذ الفلسفة في جامعة وهران الجزائرية، باحث ومترجم ومهتم بالشأن السياسي، له العديد من الأبحاث المنشورة في المجلات والدوريات الفكرية، ويمتلك مؤلفات شخصية فضلا عن مساهمته في تأليف العديد من الكتب الجماعية الصادرة في الجزائر ومصر ولبنان

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"