وقع في مطب ذاكرة الجمهور

06:23 صباحا
قراءة دقيقتين
مارلين سلوم

حين يستدعونك إلى وظيفة ما، أو حين تقرر أن تطرق باب مؤسسة أو شركة طالباً العمل، تحرص على تقديم نفسك بأجمل شكل، وترسم عن حياتك أفضل صورة من خلال ما تكتبه في ورقة اسمها «السيرة الذاتية». تنمق، تبحث عن أحسن ما عملته في حياتك كي تكتبه بتفصيل أو اختصار، تضع إضافات إيجابية قد تخدمك، مثل الهوايات والمواهب والطموحات. هذه السيرة الذاتية، تلتصق بك طول العمر، ومهما حاولت إخفاء جوانب لا تحبها فيها، لا بد أن يأتي يوم تطفو فيه على السطح، وتذكرك بماضيك وبأفكارك وأعمالك وانتماءاتك.
لا ينتبه البعض إلى أن ما نكتبه ونُدوِّنه على صفحاتنا وفي مواقع التواصل، صار الجزء الذي لا يتجزأ ولا ينفصل عن سيرتنا الذاتية؛ بل ربما صار هو المرجع الأول الذي تستند إليه جهات ومؤسسات ودول وحتى الأفراد، للتعرف أكثر إلى حقيقتنا وأفكارنا وانتمائنا.
وذاكرة التدوينات الإلكترونية قوية جداً، لا تمحوها الأيام ولا تطويها في أدراج وخزائن؛ بل تبقى محفورة على جدران «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستجرام» وحتى صفحة البحث لدى عمنا «جوجل».
وهناك من يجيد نبش الدفاتر القديمة، وتقليب صفحاتها كي يعيد إلى الواجهة ما كان عليه كل إنسان، خصوصاً الشخصيات العامة أو تلك الساعية إلى مناصب مهمة.
ما حصل مع الناقد الفني أحمد شوقي، مشهد يتكرر بين حين وآخر، حيث تصحو ذاكرة النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، ليقدموا لنا السيرة الذاتية الإلكترونية لشخص ظهر فجأة على الشاشة أو في مقدمة مشهد عام. وذاكرة جمهور النادي الأهلي المصري لم تنس سخرية شوقي من وفاة عشرات الشباب من جمهوره في بور سعيد عام 2012، والتدوينات التي كتبها شوفي، والتي تعتبر مهينة للضحايا وللإنسان والإنسانية، بغض النظر عن مكان الحادثة والتحيزات الكروية.
وفور تعيين أحمد شوقي مديراً فنياً جديداً لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته ال42 التي من المفترض أن تقام من 19 إلى 28 نوفمبر، خرجت سيرته الذاتية وعادت تدويناته لتطفو على السطح، وأثير الجدل حول كم التطرّف في لغة الناقد، سواء في موقفه من هذه الحادثة أو في مواقف أخرى تكشف عن استخفافه بفنانة أجنبية اعترضت على مشهد اغتصاب تحوّل من تمثيل إلى حقيقة، والتقليل من شأن الأوسكار ومن يترشحون له من العرب، مع استخفاف بمشاعر إحدى الجنسيات العربية التي يعيش أبناؤها في ظل حرب يصورون أجزاء منها، ومن معاناتهم فيها.
حر هو في التعبير عن ذاته وأفكاره وأحاسيسه على صفحته، والانحياز لهذا ورفض ذاك، لكن لا يجوز أن يعتلي منصب مدير فني لمهرجان بقيمة وقامة «القاهرة السينمائي الدولي»، إلا من كانت صفحاته الفكرية والفنية والإنسانية بيضاء؛ بل ناصعة البياض، ومن كان يزن الكلمة في ميزان الإنسانية أولاً، ولا يقلل من شأن أو وجع أحد، كي لا يقع في مطب ذاكرة الجمهور.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"