الأدب الراهن ينتظر الغربلة

03:06 صباحا
قراءة 6 دقائق

استطلاع: نجاة الفارس


لماذا تغيب كتب القائمة الأسوأ في العالم العربي؟، يؤكد عدد من الكتّاب والنقاد أن السبب يكمن في عدم وجود معاييرنقدية، فضلاً عن مشكلات أخرى يواجهها النقد العربى، منها: صعوبة المصطلحات التي يتم استخدامها؛ وعدم وضوحها أو الاتفاق حول معانيها أحياناً، إضافة إلى ضعف المنابر المناسبة للدراسات النقدية التي تتجه إلى القارئ العام غير المتخصص.

ويضيفون: إن تتبع الأسوأ في الأعمال المنشورة كل عام في معارض الكتاب السنوية، شيء يتجاوز طاقة النقاد، ويستفرغ جهدهم في غير طائل؛ لذلك فالأجدى لهم وللقارئ وللحركة النقدية تحري الأعمال الأفضل، أما الأعمال الأسوأ فأكثر مما يمكن حصرها، كما أن غياب التنظير النقدي العربي في الآونة الأخيرة، وانبراء الكثير من هواة الكتابة لمهمات النقد والناقد؛ أسهم في تراجع التعاطي النقدي للنصوص الفريدة؛ بل وأصبحت تلك النصوص توزن بميزان غيرها من النصوص السقيمة.

أزمة

يقول محمد شعيب الحمادي رئيس الهيئة الإدارية لاتحاد كتّاب وأدباء الإمارات في أبوظبي: نستطيع أن نلاحظ، فى الفترة الماضية، كثرة الحديث عن أزمة يواجهها النقد الأدبى، وتراجع حركة الإبداع النقدي، وقلة النقاد الجيدين، ويرجع البعض السبب إلى غياب المعايير النقدية، وهناك مشكلات أخرى يواجهها النقد العربي، منها: صعوبة المصطلحات التي يتم استخدامها أحياناً؛ وعدم وضوحها أو الاتفاق حول معانيها أحياناً، فضلاً عن عدم توفر منابر نقدية كافية ومناسبة للدراسات النقدية التي تتجه إلى القارئ العام غير المتخصص، إذاً لو كانت هناك معايير متفق عليها، لكان هناك نقد للصالح والطالح من الأعمال، ولا ينصب النقد على الأفضل دائماً، فمن الأهمية بمكان أن تكون هناك قوائم متعددة أسوة بالدول المتقدمة، فهناك قائمة بأفضل الأعمال، وقائمة للمبتدئين، وقائمة بالأسوأ، ولابد للنقد أن يشتغل على هذه القوائم كلها، حتى يجني ثماره من تطوير وإضافة للإبداع، نعم لدينا قوائم لأفضل الروايات، وأفضل المجموعات الشعرية والمجموعات القصصية القصيرة، ولا نملك قائمة واحدة لأسوأ الكتب الأدبية، فلو وجّهنا التركيز على القائمة الأسوأ؛ لارتقينا بمن فيها جميعاً، وتغير تصنيفها من السيئ إلى الأفضل في فترة بسيطة.

نفتقد إلى الفكر والثقافة النقدية في عالمنا العربي؛ بسبب العقلية العاطفية وليس العقلية الاحترافية في النقد؛ حيث يتجنب معظم النقاد الصدام مع كتّاب هذه الأعمال، وهذا بحد ذاته تغيب للغرض الأساسي من النقد؛ وهو النهوض بالأدب العربي إلى القمة.

تقاليد

الدكتور الفارس علي، مترجم ومدرس جامعي، يقول: على الرغم من أن فكرة قوائم الأفضل والأسوأ في الأعمال الفنية والأدبية تكاد تكون وافدة من تقاليد الثقافة الغربية، إلا أن النقد الأدبي العربي قديماً وحديثاً لم يخل من فكرة الأسوأ والأفضل في المنتج الأدبي على مر عصوره، فرأينا مصطلحات مثل: أفصح بيت، وأسوأ ما قيل في المدح، وأقذع بيت، وأفحش بيت، وأغزل بيت، حتى قالوا: أغنج بيت، كذلك يمكن التماس مع الفكرة نفسها في كتابات المعاصرين، الذين توسعوا إلى ذلك حد التراشق اللفظي بين الأدباء والنقاد، وما المعارك التي كانت تدور بين المدارس الأدبية في القرن الماضي منا ببعيد، على نحو ما كنا نرى بين العقاد والرافعي وعبد الرحمن شكري وزكي مبارك وطه حسين ومحمود شاكر ولويس عوض، لقد كان المنتج الأدبي الغزير آنذاك يسمح بفكرة التفاضل، وتقديم عمل على آخر، أما الآن فقد غلب الغث السمين، وبات من النادر تمييز الجيد من الرديء، وقد أطلقت المؤسسات الثقافية جوائز لأفضل الأعمال الأدبية شعراً ونثراً وترجمة، ولعل النقاد يكابدون كثيراً في سبيل اختيار الأفضل؛ بسبب كثرة الأسوأ، بعد أن تجرأ على الكتابة كل من هب ودب، وصارعديمو الموهبة بإمكانهم نشر كل ما يحلو لهم، سواء كان أهلاً للنشر، أم لا، وأعتقد أن لمنصات التواصل الاجتماعي الدور الأكبر في إغراق الفضاء الفكري والأدبي بالكثير من هذا الغثاء؛ حيث كان نشر قصيدة أو رواية دونه خرط القتاد، أما الاآن فما أسهل ذلك، أعتقد أن تتبع الأسوأ في الأعمال المنشورة كل عام في أسواق عكاظ، أقصد معارض الكتاب السنوية، شيء يتجاوز طاقة النقاد، ويستفرغ جهدهم في غير طائل؛ لذلك فالأجدى لهم وللقارئ وللحركة النقدية عموماً تحري الأعمال الأفضل، أما الأعمال الأسوأ، فهي أكثر مما يمكن الحصر، وهذا من طبائع الأمور، ومنطق الأشياء، لكن يبقى في النهاية القانون الكوني الحاكم لكل شيء: «فأما الزبد فيذهب جفاء، وأما ما ينفع الناس، فيمكث في الأرض».

مسيرة

الدكتور محمد الحوراني، ناقد وأكاديمي، يقول: عندما ننظر إلى مسيرة النقد الأدبي المعاصر في عالمنا العربي، نجده يتخذ منحيين اثنين، الأول: هو النقد الأكاديمي الذي يمارسه المتخصصون، وهو في مجمله تنظير أو تأطير للسياقات النقدية وفق مناهجها الأكاديمية، وقلما تكون للكشف عن إيجابيات المعطى الأدبي أو سلبياته، ولا تكاد تكون ممثلة لنسبة واحد في المئة لما ينتجه الأدباء شعراً ونثراً، وعلى أهمية هذا النقد إلا أننا لا نكاد نجد فيه تجريحاً أو تشريحاً لمنجز سيء، فهو - في الأغلب - ينبري للنصوص الجيدة، أو للأدباء أصحاب السمعة الطيبة، الذين عرفوا في مجالات الإبداع، وأما التيار الثاني: فهو النقد الذي يمارس لغير الأهداف الأكاديمية والبحوث التوثيقية، ويقوم به نقاد غير أكاديميين، أو يقوم به أكاديميون لغايات غير بحثية، وهو في معظمه يخضع لثيمة المجاملات، أو المناسبات، كأن يكون مقدماً لحفل توقيع، أو قراءة لتقديم شاعر أو روائي في أمسية، أو قراءة عابرة للثناء على صديق، وقلما نجد قراءة سابرة تهدف إلى كشف نقدي خارج هذه الأطر.

من هنا نجد أن المشهد النقدي العربي بعيد كل البعد عن تحليل الكثير الغث، أو المساهمة في كشف الأسوأ والحديث عنه، وغربلة الأدب العربي المعاصر من هذا الكم المذهل الذي أصبح يشكل وجهاً من وجوه القبح في الجسد الأدبي المعاصر، ولعل غياب التنظير النقدي العربي في الآونة الأخيرة، وانبراء الكثير من هواة الكتابة لمهمات النقد والناقد، لعل ذلك أسهم في غياب الكشف النقدي للنصوص الفريدة؛ بل وأصبحت تلك النصوص توزن بميزان غيرها من النصوص السقيمة.

تراكم

الدكتور محمد حمدان بن جرش الأمين العام لاتحاد كتّاب وأدباء الإمارات، يقول: السؤال حول غياب كتب القائمة الأسوأ في العالم العربي ولماذا لا يتم رصدها أو يكتب عنها؟ يشدنا إلى سؤال محوري مفاده، هل هناك أي توازن وتناسب بين التراكم الثقافي ومستوى القراءة والاستهلاك؟ لتتواتر من صلبه تساؤلات مُلحة أهمها: ما مدى حضور وتأثير النقد الثقافي والأدبي في تنقيح الأعمال الإبداعية وإبراز الأهم والأفضل منها؟، هل يتبنى المبدع المراجعات التي تدفعه إلى الإبداع بنفس عميق وقوي؟، ما الذي يعيق الكاتب المبدع عن العمل والإنتاج؟، وهل يحمل في ثنايا تجربته مشروعاً ثقافياً وفكرياً؛ للارتقاء والنهوض بالثقافة المحلية؟، وما مدى قدرة إنتاجه وقابليته للتجدد والتجديد؟ من هنا نجد أن معظم النتاج الأدبي قد لا يجد من يسلط الضوء عليه والكشف عن مميزات الأعمال الأدبية وعيوبها وبيان جودة النص ورداءته. إن الساحة الثقافية بحاجة إلى النقد الأدبي الذي يدفع المبدع إلى تطوير نتاجه الأدبي.

علاقة جدلية

الدكتورة مريم الهاشمي، أكاديمية وناقدة، تقول: العلاقة بين الجودة والرداءة في الأدب، جدلية ككل الجدليات التي نواجهها، ولا يمكن الوقوف على حقيقة مطلقة لأي منها، فالتاريخ يعرض لنا عن كتب يحرقها الذين يمقتونها أو يكرهون مؤلفيها، وأمثلة أخرى عن مخطوطات أحرقها مؤلفوها في حياتهم كالتوحيدي، أو أوصوا بتدميرها بعد وفاتهم مثل كافكا.

وحين نطرح تساؤلاً عن التطرق للكتب الرديئة فإنه يذهب بنا إلى القواعد السردية التي تعطي صفة الجودة أو الرداءة في المنتج الكتابي، ليذكر بمرحلة كان الناقد يلعب دور الموجه، ليعرض للكاتب النماذج التي يجب اتباعها من دون مناقشة، كقواعد الشعر لقدامة بن جعفر الذي يلزم الشعراء بها، ولا يمكن أن نغفل عن حقيقة أن الكاتب ينطلق من تجارب سردية عليه أن يتخذ منها موقفاً إما بالإذعان لها أو التمرد عليها، وفي نهاية المطاف لن نجد أبداً إذعاناً صرفاً أو تمرداً جذرياً، ونظراً للمرحلة الثقافية التي نجتازها يُعنى الناقد في الكثير من الأحايين بالمضمون، مما جعله يعتمد على جودة العمل بناء على أساس العلاقة بين الرواية والمجتمع، وعلى الدور الذي يجب أن يلعبه، فلا مفر من الحرب الأيدولوجية عند تقييم الإنتاج.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"