ليبيا بين «سلام القاهرة» وإرهاب أردوغان

03:19 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. محمد فراج أبو النور *

تشير كل الشواهد إلى أن التدخل العسكري التركي الواسع في ليبيا، ليس مجرد تحرك يهدف لدعم حكومة فايز السراج في مواجهة الجيش العربي الليبي بقيادة المشير حفتر، وإنما هو تدخل يتم في إطار مخطط متكامل لغزو ليبيا ونهب ثرواتها، واتخاذها قاعدة للتوسع الإقليمي.
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يهدف إلى إحياء الإمبراطورية العثمانية في الشرق العربي وشرقي البحر المتوسط وشمال إفريقيا، بغض النظر عن كل حقائق العلاقات الدولية المعاصرة، وموازين القوى الاستراتيجية التي تؤكد استحالة تحقيق ذلك الحلم الإمبراطوري الجنوني.
فبمجرد تحقيق بعض المكاسب العسكرية في المناطق المحيطة بطرابلس وبعض المواقع غربي ليبيا، أعلن أردوغان ضرورة سيطرة قوات السراج على بقية أنحاء البلاد! ورفض التفاوض مع حفتر، ورفض المبادرة المصرية التي تقدم بها الرئيس عبد الفتاح السيسي في مؤتمر صحفي عقد في القاهرة، بحضور رئيس البرلماني الشرعي الليبي المنتخب ديمقراطياً وتحت إشراف دولي المستشار عقيلة صالح، والمشير حفتر قائد الجيش الوطني الذي يستمد شرعيته من قرارات ذلك البرلمان، وتجاهل أردوغان والسراج إعلان البرلمان والجيش الوطنيين التزامهما بوقف إطلاق النار بدءاً من 8 يونيو الجاري؛ أي خلال 48 ساعة من طرح «إعلان القاهرة» في 6 يونيو الجاري.


مواصلة العدوان


وواصلت ميليشيات السراج الإرهابية التي يقودها ضباط الجيش التركي، الهجوم على مدينة سرت الاستراتيجية؛ البوابة الغربية لمنطقة الهلال النفطي، وهي المنطقة الرئيسية لإنتاج ليبيا من النفط والغاز، كما شنت القوات المذكورة هجوماً التفافياً على منطقة الجفرة في الجنوب الليبي وقاعدتها الجوية الرئيسية، لكن قوات الجيش الوطني أنزلت الهزيمة بالمهاجمين، وأجبرتهم على الانسحاب بعيداً عن الموقعين الاستراتيجيين.
وما لبثت أنقرة أن كشفت أطماعها الحقيقية؛ إذ أعلنت صحيفة «يني شفق» المقربة من حكومة أردوغان وحزبه، عن خطة تركيا لإقامة قاعدتين دائمتين على الأراضي الليبية، إحداهما بحرية في مدينة وميناء مصراتة، والأخرى جوية في قاعدة الوطية جنوب غربي طرابلس.
كما ذكرت الصحيفة أنه سيكون لدى تركيا «النصيب الأكبر» من استخراج النفط في ليبيا، وأن «وجود السفن الحربية التركية ضروري للحفاظ على سلامة أنشطة التنقيب من أي تهديدات محتملة» (RT-12 يونيو 2020 نقلاً عن يني شفق التركية ووكالات الأنباء).


أردوغان و«إعلان القاهرة»


وهكذا تتضح تماماً، الأسباب الحقيقية لرفض أردوغان والسراج «إعلان القاهرة» لإنهاء الصراع وإحلال السلام في ليبيا، ومحاولتهما زرع الألغام في طريقه وفي طريق الدور المصري والعربي لتحقيق التسوية بين الأطراف المتصارعة في ذلك البلد الشقيق.
وتدعو المبادرة إلى وقف إطلاق النار، بدءاً من 8 يونيو/‏حزيران، وإلزام جميع الجهات الأجنبية بإخراج المرتزقة الأجانب من جميع الأراضي الليبية، وتفكيك الميليشيات وتسليم أسلحتها، واستكمال أعمال اللجنة العسكرية «5+ 5» في جنيف تحت إشراف الأمم المتحدة.


«الوفاق».. و«شرعية» الصخيرات


والواقع أن هذه البنود والمبادئ كلها تنسجم مع مبادئ الشرعية والديمقراطية ومع الأطر العامة لنتائج ومقررات المؤتمرات الدولية السابقة الإشارة إليها، من أبوظبي حتى برلين، لكن أنقرة وحكومة السراج ترفضانها، وتراوغان بكافة السبل للتهرب من مجرد التفاوض حولها للأسباب التالية:

1 بعد الغزو الأطلسي لليبيا وإسقاط نظام القذافي 2011، شهدت البلاد فترة من الفوضى العارمة، ثم انسحبت القوات الأطلسية، وتم إجراء انتخابات نيابية ثانية تحت إشراف دولي في يونيو 2014، واجهت فيها جماعة «الإخوان» هزيمة ساحقة، حيث حصلت على 23 مقعداً فقط، من مقاعد البرلمان البالغ عددها 200 مقعد، علماً بأن الانتخابات تأجلت لعدم ملاءمة الأوضاع الأمنية في دوائرها.
وبهذا يكون «الإخوان» قد حصلوا على 23 من 188 مقعداً في البرلمان، بينما حصلت القوى الوطنية والمدنية والقبلية على بقية المقاعد (165 مقعداً).
إلا أن «الإخوان» رفضوا الخضوع للإرادة الشعبية وبدأت ميليشياتهم المسلحة بالتحالف مع ميليشيات «القاعدة وداعش» وغيرها من الجماعات الإرهابية، في إثارة الفوضى وتنظيم الاغتيالات السياسية، ما اضطر عدداً كبيراً من النواب والسياسيين للهجرة نحو الشرق، ومعروفة علاقة كل هذه التنظيمات بتركيا.

2 تجمعت أغلبية النواب البرلمانيين في المناطق الشرقية (خاصة بنغازي وطبرق) حيث كانت الأوضاع الأمنية أفضل نسبياً، وبدأت هذه الأغلبية عقد جلسات البرلمان في طبرق، لذلك عرف وقتها ب«برلمان طبرق» الذي انتخب المستشار عقيلة صالح رئيساً له، وتم استدعاء اللواء وقتها خليفة حفتر للبدء في تنظيم الجيش الوطني الذي استكمل تدريجياً تطهير المنطقة الشرقية من الإرهاب، بينما كانت طرابلس غارقة في الفوضى تحت حكم الميليشيات المتناحرة.

3 قامت الأقلية البرلمانية وبعض السياسيين في طرابلس في أكتوبر 2016 بانتخاب فايز السراج، وهو ذو أصول تركية، رئيساً لما يسمى «حكومة الوفاق الوطني» التي كان سندها العسكري والأمني إرهابيي الميليشيات المتناحرة.

4 عقد ممثلو الدول الغربية مؤتمراً في الصخيرات بالمغرب (ديسمبر 2016) وقرروا فيه تشكيل مجلس رئاسي، وإسناد رئاسته للسراج وتجاهل البرلمان المنتخب! وأن يكون البنك المركزي ومؤسسة النفط الوطنية، واحتياطات البلاد في الخارج، كلها خاضعة لحكومة السراج ومجلسه الرئاسي.

5 بدأت تركيا في إدخال الأسلحة والإرهابيين إلى المناطق الغربية تدريجياً لدعم حكومة السراج، الذي عقد معها اتفاقيتين لا يحق له قانوناً عقدهما، لتقسيم الحدود البحرية والتعاون الأمني (نوفمبر 2019)، وبدأت تركيا في نقل الإرهابيين من سوريا إلى ليبيا، حتى وصل عددهم مؤخراً إلى 11 ألف إرهابي ومرتزق، إضافة إلى 1500 ضابط وجندي تركي، علماً بأن أقصى مدة كانت مقررة لصلاحيات السراج كان المفروض أن تنتهي في يونيو 2019.
فهل يعقل أن تقبل «شرعية الإرهاب» و«شرعية الصخيرات» بشرعية البرلمان المنتخب وبالشرعية الدولية؟

* كاتب مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"