تمرد رجال الرئيس

04:06 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. محمد السعيد إدريس

معظم رجال دونالد ترامب انفضّوا من حوله، وكان كتاب جون بولتون الذي صدر قبل أيام قد كشف حقيقة أن «ترامب لا يصلح رئيساً».

ما يحدث للرئيس الأمريكي دونالد ترامب من «انتكاسات انتخابية» غير متوقعة تحدث في الوقت الذي يمكن تسميته ب«التوقيت المميت» الذي يسبق موعد إجراء الانتخابات الرئاسية المقبلة (3 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020)؛ من شأنها أن تضع علماء «المستقبليات» وكل قواعد التنبؤ السياسي في مأزق صعب؛ لأنها تعلي من شأن العوامل الطارئة وغير المتوقعة التي من شأنها إفساد الحسابات الدقيقة للتنبؤات بخصوص القضايا السياسية على وجه الخصوص.

فحتى نهاية شهر ديسمبر/ كانون أول الماضي، كانت كل الحسابات والتوقعات في مصلحة الرئيس الأمريكي سواء من ناحية رهانه الأساسي على التحسن الكبير الذي أحدثته سياساته على الأوضاع الاقتصادية والمعيشية داخل الولايات المتحدة، وبالذات تراجع نسب البطالة بشكل ملحوظ، أو من ناحية سياساته الخارجية المتشددة ضد من يعدّهم أعداء أو منافسين للولايات المتحدة، خاصة الصين وروسيا، وعدم التردد في الضغط أيضاً على الحليف الأوروبي؛ لكن ثلاثة تطورات فرضت نفسها فجأة في طريق حملة ترامب الانتخابية، من شأنها أن تضع نهاية لحلم ترامب في تجديد انتخابه؛ أولها، تفشي جائحة «كورونا» بشكل مخيف داخل الولايات المتحدة؛ جعلتها على رأس قائمة أعلى إصابات وأعلى وفيات، وهي أزمة ازدادت تعقيداً بسوء إدارة الرئيس لها، ومحاولاته المستميتة للتنصل من المسؤولية، وسعيه الدؤوب لتحميل الصين كل المسؤولية، بشكل جعله في أعين الأمريكيين رئيساً غير كفء لتحمل المسؤولية. وثانيها: الركود الاقتصادي الذي قصم ظهر حملته الانتخابية التي كانت تعتمد على النمو شعاراً. وثالثها: تفجر الاحتجاجات الشعبية العنيفة، وتحولها إلى موجة غضب تاريخية، ليس فقط ضد العنصرية المتجذرة في المجتمع الأمريكي، ولكن بالأساس ضد الرئيس؛ لسوء إدارته للأزمة، واستهانته بأولوية مطلب تحقيق العدالة الجنائية، وانحيازه للشرطة، وتهديده بإنزال الجيش؛ لقمع التظاهرات.

محصلة هذه التطورات؛ جعلت فرانكلين فوير يكتب في مجلة «ذي اتلانتك» الأمريكية، مقالاً يؤكد فيه أن «نظام ترامب بدأ بالانهيار»، وقبله كتب توماس فريدمان أبرز كتّاب أعمدة الرأي في صحيفة «نيويورك تايمز» تعليقاً على سوء إدارة ترامب للأزمة التي فجرها القتل البشع للمواطن الأمريكي جورج فلويد، حذر فيه من خطر «الانكسار» الذي يتهدد الولايات المتحدة، وقال: «أنا لست متأكداً بالمرة أننا سنكون قادرين على تنظيم انتخابات رئاسية حرة نزيهة في نوفمبر المقبل، وأن يكون لدينا انتقال سلمي للسلطة في يناير/ كانون الثاني 2021»، وفسر فريدمان هذا التخوف بقوله: «نحن على حافة حرب أهلية ثقافية».

كان الواضح أن فريدمان يحمّل الرئيس ترامب جل المسؤولية عن هذا الاحتمال المقلق الذي ينتظر الولايات المتحدة؛ لكن كان هناك من توسعوا في التشاؤم بأن ما ينتظر أمريكا ليس مجرد نكسة انتخابية أو ديمقراطية كبرى تتجاوز حدود فوز الرئيس ترامب أو منافسه الديمقراطي جون بايدن؛ بل تهدد المستقبل الأمريكي كله.

وسط هذا كله، جاءت صدمة صدور مؤلف جون بولتون، مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق، الذي أُقيل من منصبه في سبتمبر/أيلول الماضي، ويحمل عنوان: «الغرفة التي شهدت الأحداث- مذكرات البيت الأبيض»؛ وهي الصدمة التي من شأنها أن تحدث زلزالاً في حملة ترامب الانتخابية. فعلى الرغم من صدور العديد من الكتب حول رئاسة دونالد ترامب، فإن كتاب بولتون سيختلف كثيراً في آثاره السلبية المتوقعة على فرص ترامب للفوز في الانتخابات المقبلة؛ لأسباب كثيرة: أولها، مكانة الرجل وموقعه في قلب السلطة الأمريكية، وتاريخه كسياسي جمهوري متطرف، وثانيها، أن ما يحتوي عليه من معلومات وأسرار هي من الداخل؛ أي من داخل الغرف المغلقة لصنع القرارات الأمريكية، وليست مجرد معلومات لمراقبين، وثالثها: لخطورة تلك الأسرار التي جرى الكشف عنها، والتي تتعلق بشخص ترامب وقدراته على القيادة المحدودة، وعدم أهليته ليكون رئيساً للولايات المتحدة، ورابعها: لتوقيته المميت فهو يصدر قبل أربعة أشهر فقط من موعد إجراء الانتخابات الأمريكية الرئاسية، وهناك سبب خامس، وهو أنه جاء ليكمل دائرة تمرد رجال الرئيس على أدائه، وهو التمرد الذي يكشف للرأي العام الأمريكي جانباً مهماً من جوانب إدارة ترامب، وهو فشله في أن ينصت ويحترم وجهات نظر مستشاريه.

الأزمة المجتمعية الكبرى التي تفجرت ضد العنصرية؛ أدت إلى دخول الجنرال جيمس ماتيس وزير الدفاع الأسبق، وبعده مارك أسبر وزير الدفاع الحالي ثم الجنرال مارك ميلي رئيس هيئة الأركان كأطراف مباشرة؛ للتصدي لتجاوزات ترامب في إقحام الجيش في الأزمات الداخلية.

هذا التمرد ربما يكون آخر ما كان يتوقعه ترامب في هذا التوقيت العصيب الذي اكتمل بصدور كتاب جون بولتون الذي كان ترامب أبرز من روجوا له؛ باستماتته في منع صدوره ما جعل دار نشر «سايمن أند شوستر» صاحبة امتياز نشر الكتاب تصدر بياناً تخاطب فيه الرأي العام قائلة: «هذا هو الكتاب الذي لا يريدك دونالد ترامب أن تقرأه». وبعد صدور الكتاب لم تعد تجدي تهديدات مايك بومبيو وزير الخارجية الأمريكي بمحاكمة بولتون؛ لأن ما أراده بولتون قد تحقق؛ وهو كشف حقيقة أن «ترامب لا يصلح رئيساً».

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"