العالم ضد «الضم»

04:12 صباحا
قراءة 4 دقائق
حلمي موسى

يشعر الكثير من أنصار اليمين المتطرف في الكيان بأن الحديث عن إعلان الضم في مطلع يوليو/ تموز الحالي، وفق اتفاقية الائتلاف الحكومي بين الليكود وأزرق أبيض، صار يتراجع جراء ما ظهر من عراقيل محلية ودولية. وكان بين أهم العراقيل التي ظهرت شدة المعارضة الدولية لهذه الخطوة، وآخرها مداولات مجلس الأمن الدولي، وموقف الجنائية الدولية.
ظهر جلياً للجميع أن خطوة الضم لا يمكن لها أن تتم من دون عواقب، خصوصاً بعد تأكيد دول الاتحاد الأوروبي نيتها فرض عقوبات على الدولة العبرية إذا ما تم الضم. ومع ذلك تواصل السجال الإعلامي بشأن مدى انتهاك الضم للقانون الدولي؛ حيث عاد رئيس الحكومة «الإسرائيلية» للحديث عن عدم تعارض الضم مع القانون الدولي في حديثه مع الرئيس الفرنسي ماكرون.
ورغم أن البعض يشير إلى تفشي «كورونا»، وتزايد الجهود لمحاربتها كأحد العوامل المعرقلة للضم، يعتقد آخرون أن الكيان كان يطمح لتمرير الضم تحت ستار الانشغال الدولي بهذا الوباء. ومع ذلك ثمة من يعتقد أن الضم تعرقل بسبب تراجع التشجيع الأمريكي لهذه الخطوة من ناحية، وشدة المعارضة الدولية لها من جهة أخرى، على خلفية ما يمكن أن تخلقه من عدم استقرار جراء الرفض الفلسطيني والعربي لها. ومن الواضح أن استطلاعات الرأي في الولايات المتحدة التي أشارت إلى تراجع فرص إعادة انتخاب ترامب، وتنامي المعارضة الديمقراطية لخطوة الضم أربكت القيادة «الإسرائيلية». كما أن حرص العديد من القوى الدولية، خصوصاً المناصرة تقليدياً للكيان كحزب المحافظين البريطاني، التي أظهرت معارضتها للخطوة أربكت نتنياهو.


انتهاك القانون الدولي


وقد وصل الأمر برئيس الحكومة البريطانية بوريس جونسون إلى نشر مقالة في صحيفة «يديعوت أحرنوت» يحذر فيها من أن الضم لن يحقق هدف «تأمين حدود «إسرائيل»، ويشكل مخالفة لمصالحها بعيدة المدى». وشدد جونسون على أن الضم «سيكون انتهاكاً للقانون الدولي، وهدية لمن يريدون تكريس القصص المختلفة عن ««إسرائيل»». وسيعرض للخطر الطريق الذي سلكته «إسرائيل» في تحسين علاقاتها مع العالم «العربي والإسلامي». وأكد أن بريطانيا لن تعترف بالتغييرات على حدود 67، باستثناء تلك التي سيتم الاتفاق عليها بين الطرفين، هناك طريق آخر».
وكان مجلس الأمن الدولي، في جلسة خاصة، ناقش موضوع ضم الأراضي الفلسطينية المحتلة، وأثر ذلك على الاستقرار الدولي. وقد شدد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس على أنه إذا نفذ الكيان خطة الضم «فهذا انتهاك صارخ للقانون الدولي من شأنه تقويض حل الدولتين».
ورغم رمزية المواقف التي تم الإعلان عنها في الفعاليات الرسمية الفلسطينية المناهضة لصفقة القرن وخطة الضم، فإن مشاركة ممثلين دوليين فيها يزيد من أهميتها. وقد شارك مبعوث الأمم المتحدة لعملية السلام نيكولاي ميلادينوف، وممثل الاتحاد الأوروبي والقناصل المعتمدون لدى السلطة الفلسطينية في المهرجان الوطني المركزي، الذي دعت إليه حركة فتح في أريحا. وشدد ميلادينوف على أن خطة الضم تتعارض مع القانون الدولي، وتقضي على حلم السلام وإقامة الدولة الفلسطينية. كما شدد ممثل الاتحاد الأوروبي سفين كون بورغسدروف على عدم اعتراف الاتحاد بأي «سيادة «إسرائيلية» على الأراضي المحتلة العام 1967 بما فيها القدس الشرقية».
وفي المهرجان أعلنت روسيا عبر سفيرها في فلسطين، غوتشا بواتشيدزه، أن «الضم» سيقوّض عملية السلام، واستمرار دعم بلاده لمفاوضات برعاية الأمم المتحدة وقائمة على قراراتها ومبادرة السلام العربية. وكذلك فعل السفير الصيني في فلسطين الذي أكد على وجوب حل الصراع على أساس مبدأ دولتين لشعبين. ولم يختلف الموقف الياباني عن ذلك؛ حيث أعلن السفير الياباني أن خطة الضم تحطم فرص تحقيق حل الدولتين، وتشكل تهديداً للأمن الإقليمي.


رفض عربي - أوروبي


وكان بيان صدر عن اجتماع أوروبي عربي عبر فيديو كونفرنس لوزراء خارجية كل من ألمانيا وفرنسا ومصر والأردن قد أعلن بوضوح رفض خطة الضم الصهيونية. وشدد البيان على أن أي عملية ضم للأراضي الفلسطينية المحتلة العام 1967 تشكل «انتهاكاً للقانون الدولي، وتهدد أسس عملية السلام» في المنطقة. وقرر الوزراء الأربعة، «لن نعترف بأي تغيرات على حدود 1967 لم يتفق عليها طرفا الصراع».
غير أن الاعتراض على خطة الضم «الإسرائيلية» لم ينحصر في مواقف الدول، بل إن جهات فاعلة حتى في الكونجرس الأمريكي دعت إلى الاعتراض عليها. ورفض العشرات من أعضاء الكونجرس الأمريكي خطة الضم وعنف المستوطنين ضد الفلسطينيين، وطالبوا بمواقف حازمة لوقفها. كما استنكر أكثر من ألف برلماني أوروبي خطة الضم في رسالة مشتركة وجّهوها لزعماء الاتحاد الأوروبي، طالبوا فيها بالعمل على وقف خطة الضم، وعلى عدم السماح للضم «أن يمر من دون اعتراض».


تحذيرات


ومن الجائز أن المواقف الدولية عموماً والأوروبية خصوصاً كانت وراء اندفاع وزير الخارجية «الإسرائيلية»، غابي أشكنازي للتحذير من الأضرار التي ستصيب العلاقات «الإسرائيلية» - الأوروبية في حال تنفيذ الضم. ودعا أشكنازي حكومته إلى «تقييم الأوضاع القانونية والسياسية والأمنية قبل اتخاذ أية قرارات». وقال: «نحن نحذر من واقع يتدهور فيه الوضع الأمني، ونُدهور علاقاتنا مع الأردن، وربما تكون لذلك أثمان في أوروبا أيضاً. ولذلك نوصي بتنفيذ كل شيء بالحوار».
واضح أن الموقف الدولي يزعج ساسة الكيان الذين يجدون لدى أصحاب الخبرة من يحذرهم من استمرار تجاهل الإرادة الدولية. وهكذا كتب السفير «الإسرائيلي» الأسبق في الأمم المتحدة، داني غيلرمان أن خطر الضم لا يقتصر فقط على المس بالعلاقات مع الفلسطينيين والدول العربية المعتدلة، وإنما يصل إلى المس بالعلاقات مع الولايات المتحدة. وأشار إلى الخلافات بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي بهذا الشأن؛ حيث إن تنفيذ خطة الضم قد يعتبر «صفعة للديمقراطيين». كما حذر مركز بحوث الأمن القومي في جامعة «تل أبيب» في تقديره الاستراتيجي الأخير من أن الضم، سواء تم على نطاق واسع أم ضيق، «سيثير موجة ردود فعل سلبية في أوروبا، والقطيعة ستتعمق بين القيادات السياسية ل«إسرائيل» وقيادات أعضاء الاتحاد الأوروبي».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"