التعويض عن جرائم الأفراد (1-2)

01:27 صباحا
قراءة دقيقتين
د. عارف الشيخ

عاشت التجمعات السكانية في العالم باسم العشائر والقبائل والعوائل، ولاسيما في المناطق العربية التي كانت تنظر إلى الجرائم التي تصدر من فرد بأنها جريمة قبيلة بأكملها، فلا تنطفئ نار الحرب إلا بعد أن يسقط آلاف القتلى.
- ويقول الدكتور رمضان عبدالله الصاوي في كتابه «تعويض المضرور عن جرائم الأفراد من قبل الدولة»، إن نظام العقاب تطور مع تطور الإنسان والمجتمع، فلم يعد العقاب عقاب ثأر جماعي.
- ولم يعد الثأر عبارة عن النيل من الجاني مباشرة، بل تغير إلى تسليم الجاني إلى جماعة المجني عليه، أو التصالح على مقابل نقدي.
والمقابل النقدي هذا لم يعد قاصراً على مبلغ من النقود، بل تحول إلى تقديم الجاني إلى القضاء الجنائي للتحقق من الجريمة وتقدير آثارها، والوصول إلى القضاء لم يعد من الأمور السهلة، فهو يكلف أصحاب الشأن مبالغ مادية أيضاً، حيث يتطلب الأمر أن تكون هناك جهات أخرى مثل مكاتب المحامين وشركات التأمين، لتحقيق مطالب المدعي والمدعى عليه.
- وإذا ارتكب الفرد جريمة من الجرائم الكبيرة، وكان معسراً، فهل يضيع حق المجني عليه، أم أن الدولة مطالبة بالأداء عن الجاني المعسر، حفاظاً على حقوق الناس؟
إن احترام حقوق الناس هو احترام لآدمية الإنسان الذي نادى به القرآن الكريم، قال تعالى: «ولقد كرمنا بني آدم»، ولو نظرنا في الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي، لوجدنا كليهما يدعو إلى احترام حقوق الإنسان أياً كان جنسه أو لونه أو جنسيته، وقد دعا القرآن الكريم إلى التسامح والعفو ونبذ العنف، قال الله تعالى: «ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم»، (الآية 34 من سورة فصلت). وقال عليه الصلاة والسلام «لا ضرر ولا ضرار»، (رواه مالك في الموطأ).
- والجريمة عند الفقهاء هي محظورات شرعية زجر الله عنها بحد أو تعزير، كما ورد في كتاب «الأحكام السلطانية» للماوردي.
- والجريمة في القانون الوضعي هي كل أمر رتب القانون على ارتكابه عقوبة، كما يقول الدكتور علي بدوي في كتابه «الأحكام العامة في القانون الجنائي».
- ويلاحظ أن تعريف الجريمة في الفقه الإسلامي مستمد من الشارع، بينما القانون الوضعي يستمده من قانون العقوبات، والفقه الإسلامي يربط أفعال العباد بالضمير، أما القانون الوضعي فمرد الأفعال عنده وقائع مادية بحتة، لذلك فإن الكذب على سبيل المثال يعد جريمة في الشريعة الإسلامية، وإن كانت عقوبته التعزير وليس الحد، أما في القانون الوضعي، فإن الكذب لا يعد جريمة، بل يعرف الدبلوماسي بأنه «رجل شريف تبعثه دولته ليكذب في سبيل مصلحة بلاده».
- على كل حال، فإن حديثنا الآن عن الجريمة بمفهومها الأوسع والمتفق عليه بين الفقه الإسلامي والقانون الوضعي، فإذا ارتكب فرد من أفراد الشعب، جريمة كبيرة، ترتبت عليها أضرار بمصالح الآخرين، وليس للجاني مال أو أهل يدفعون عنه التعويض لأهل المجني عليه، فمن في هذه الحالة يا ترى سيدفع لأهل المجني عليه تعويضاً عن هذه الأضرار؟
- هل يقوم أهل المجني عليه بأخذ حقهم بأيديهم، مع العلم أن سلطة الدولة قائمة، أم أن الدولة تدفع عن الجاني التعويض؟ للحديث بقية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"