المساعد الخائن

01:23 صباحا
قراءة 3 دقائق
كتب: محمد ياسين

تحفل ساحات المحاكم وحياة الأطراف التي تلتقي فيها بقصص تعكس في جانب منها الصراعات القديمة المتجددة بين الخير والشر، بين الطمع والقناعة، بين نفوس ترتوي بظلم الآخرين وأخرى تنفق شهوراً، وربما العمر كاملاً، بحثاً عن حق. في تفاصيل هذه الصراعات تحاول العدالة ما استطاعت أن تكون صاحبة الكلمة العليا لتستقيم الدنيا، وفي ثنايا المواجهات بين الأطراف المتخاصمة تتدفق المفاجآت والعبر.
لم يتوقع رجل خليجي تلك النهاية التي رسمها له القدر، ولم يستطع تحمل ما وصلت إليه الأمور فهو الآمر الناهي يصدر القرارات، يبيع ما يشاء ويشتري ما يشاء مستغلاً الثقة التي منحها له رجل الأعمال وصاحب مجموعة الشركات التي يعمل فيها منذ سنوات عديدة، حيث كان يتصرف في أرصدة الشركات كأنه صاحب المال، وكما يحلو له دون رقيب أو حسيب مستغلاً قربه من صاحب الشركة والثقة الممنوحة له، ولكن لكل بداية نهاية، فقد طمع الخائن وأوقعه في شر أعماله، وفي أحد الأيام اكتشف رجل الأعمال تلاعب مساعده في أرصدته بعد زيارة مندوب البنك ومسؤول أرصدة مجموعة لشركاته، حيث قابله لأول مرة من دون وجود مساعده الذي كان في السابق يتولى هذه الأعمال، وذلك نظراً لانشغاله وسفره المتكرر خارج الدولة.
وخلال الزيارة تساءل الرجل عن الأرصدة البنكية المتوفرة لديه في البنك، وعن سبب عدم وصول رسائل البنك الخاصة ببعض الحسابات على رقمه الخاص منذ فترة طويلة، فأجابه المندوب بأن رقم التراسل يعمل بشكل منتظم مع كل معاملة، وإذا لم تصل لك فقد تكون طلبت تغيير رقم هاتفك لدى البنك، وهذا يتم وفق الضوابط المعمول بها في جميع المصارف، أما عن الودائع والأرصدة فبعضها تم سحبه بالكامل وسحب بعض الودائع، وأصبح بعض الحسابات خاوياً.
توقف تفكير الرجل لثوان معدودة وطلب من مندوب البنك ومسؤول الحسابات والأرصدة الخاصة به إعادة ما أخبره به مرة ثانية فكرر الرجل ما قاله، وللحظات راجع الرجل بعض الأمور والتصرفات غير المفهومة والشكاوى التي كانت تصل إليه من موظفين في شركاته، وكان لا يعيرها أي اهتمام، وكان دائماً يفسرها على أنها حقد من الموظفين على شخص ناجح ومجتهد فضلاً عن أنه مقرب منه.
وبعد اجتماع مطول شرح له مندوب البنك وضعه المالي في البنك ومحافظه المالية التي تنهب منذ زمن، فطلب صاحب الشركات من المندوب تقريراً مفصلاً لأرصدته وتعاملاته منذ 10 سنوات على أن يتسلمها يداً بيد عند الانتهاء.
وبعد أيام تواصل مندوب البنك مع صاحب الشركات ليسلمه التقرير الخاص بأرصدته وحركة أمواله، حيث طلب منه الاجتماع معه في أحد مكاتب تدقيق الحسابات، وبالفعل جاء في الوقت المتفق وجلسا معاً للتعرف إلى حركة الأموال وإلى من تحول وأين تذهب، وخلال ذلك الاجتماع ظهرت أسماء لشركات تنتمي كلها إلى مجموعة واحدة لا صلة لها بشركاته، حيث تحول ملايين الدراهم بشكل منتظم، وهنا قرر الرجل التحري عن اسم مالك تلك المجموعة التي تذهب إليها الأموال، وكانت المفاجأة الكبرى أن تلك المجموعة ملك لمساعده الخائن الذي أصبح من أكبر رجال الأعمال بعد تحويل أرباح شركاته، وأرصدته إلى شركة تخصه لتتوسع وتصبح واحدة من كبريات الشركات، فقرر الرجل فتح بلاغ لدى الجهات المعنية التي حولت القضية إلى النيابة، فاستدعت المساعد الذي أنكر التهم كافة، إلا أن المحكمة أدانته بالاختلاس وخيانة الأمانة بعد ظهور مستندات تثبت التهم عليه ومن بينها تغيير رقم التراسل بين صاحب الشركة والبنك من خلال الحصول على شريحة اتصالات بالنصب والاحتيال على شركة الاتصالات، واستخدام ثقة الرجل والحصول على هويته لإتمام استخراج رقم هاتف آخر وتحويل أمول إلى حسابات تخصه،وهنا وقف المتهم يندب حظه السيئ نادماً على جشعه المفرط الذي وضعه في هذا الموقف، وتم حبسه بين المجرمين فبين ليلة وضحها انكشف ستره وأصبح لصاً مشهوراً وهو الآن متهم بخيانة الأمانة والاختلاس بعد أن كان رجل أعمال شهيراً.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"