ماذا بعد «آيا صوفيا»؟

04:26 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. محمد السعيد إدريس

مع كل يوم يمر يجد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نفسه أمام فشل جديد، سواء كان في الداخل التركي أم خارجه؛ لذلك فإنه يجد نفسه مضطراً لأن يخرج من جعبته جديداً يحافظ به على الصمود كزعيم أوحد لتركيا الحديثة.
أحدث مخارج أردوغان للتغلب فشله كان قراره تحويل متحف «آيا صوفيا» في إسطنبول إلى مسجد في محاولة منه لاستعادة شعبيته الداخلية المنهارة، ولتحسين مساوئ صورته في الخارج بطرح نفسه باعتباره الزعيم المشغول بأمر الإسلام والمسلمين، والحريص على رفعة شأنهم بين الأمم الأخرى.
فحزب «العدالة والتنمية» الحاكم آخذ في التفكك والتشظي إلى أحزاب منافسة، على نحو حزب «الديمقراطية والتقدم» الذي أسسه علي باباجان نائب رئيس الوزراء، وزير الاقتصاد الأسبق في حكومة أردوغان، وحزب «المستقبل» الذي أسسه أحمد داوود أوغلو وزير الخارجية، ثم رئيس الوزراء والعقل الاستراتيجي السابق في حزب «العدالة والتنمية». وحالياً يواجه حزب «العدالة والتنمية» تمزقات داخلية بين جناح وزير الداخلية سليمان صويلو، وجناح وزير المالية براءات البيرق صهر الرئيس أردوغان.
الصراع بين الرجلين تبدّى بوضوح في ذروة تفشي انتشار فيروس كورونا في تركيا، عندما تورط صويلو وأصدر قراراً بحظر التجوال في البلاد قبل ساعتين فقط من موعد تنفيذه، ما تسبب في إحداث إرباك شديد للمواطنين الذين لم يمتلكوا الوقت الكافي لتدبير احتياجاتهم الضرورية من المواد الغذائية اللازمة، وكانت النتيجة هي خروج تظاهرات منددة، ما أدى إلى استقالة الوزير، وهي الاستقالة التي رفضها أردوغان، لكنها كشفت عمق صراع صويلو مع البيرق.
وجاءت تداعيات أزمة كورونا وعجز نظام أردوغان عن التصدي لها بالكفاءة اللازمة لتفاقم الأوضاع الداخلية أمامه في اتجاهين: الأول هو تردي الأوضاع المعيشية كما أكده تراجع العملة التركية (الليرة) بمعدلات غير مسبوقة، بعد أن وصل سعرها إلى حوالي 7,2 مقابل الدولار الواحد، هذا التراجع فاقم من عدم ثقة المستثمرين الأجانب وزاد من قلقهم بأن تتجه الحكومة إلى فرض قيود على الأرصدة في المصارف، بعد أن تراجع احتياطي البنك المركزي التركي من العملات الصعبة إلى 15 مليار دولار فقط، بسبب إقدام المصارف على بيع ما مقداره 10 مليارات دولار من العملات الصعبة في الأسواق المحلية لدعم الليرة.
أما الاتجاه الثاني فهو تراجع شعبية حزب «العدالة والتنمية». فقد أظهرت استطلاعات الرأي في مايو الماضي أن أصوات حزب «العدالة والتنمية» هبطت إلى نحو 34% للمرة الأولى منذ اعتلائه السلطة، بينما ارتفعت أصوات حزب «الشعب الجمهوري» إلى 28%، وحزب «الجيد» إلى 11%، وتراجع حزب «الحركة القومية» حليف أردوغان إلى 8,9%، بينما حصل حزب «الديمقراطية والتقدم» بزعامة علي باباجان على 2,7%، وحصل حزب «المستقبل» بزعامة أحمد داوود أوغلو على 2,4%، وهي الأحدث في التكوينات الحزبية.
تراجع شعبية حزب أردوغان مقابل ارتفاع شعبية أحزاب المعارضة، انعكست مباشرة على توقعات فرص حزب «العدالة والتنمية» في الانتخابات القادمة، حيث أظهر ذلك الاستطلاع أنه لو توجهت البلاد إلى انتخابات الآن، فسيحصل أردوغان على 38,9% فقط من أصوات الناخبين، مقابل نحو 52% حصل عليها في انتخابات يونيو/ حزيران 2018.
الفشل الداخلي لا ينافسه غير الفشل الخارجي سواء في سوريا أو في ليبيا. فقد ورط أردوغان تركيا في «المستنقع السوري» ولم يعد قادراً على الخروج منه، وها هو يورطها في مستنقع أسوأ في ليبيا، في الوقت الذي بدأت فيه نعوش الجنود والضباط الأتراك تصل إلى ذويهم قادمة من ليبيا. هذا الفشل جعل المعارضة تطالب بتغيير سياسي جذري في النظام الحاكم عبر تعديل الدستور والعودة إلى النظام البرلماني.
وسط كل هذه الأجواء جاء قرار أرودغان بتحويل متحف «آيا صوفيا» إلى مسجد، على الرغم من معارضته الصريحة لمثل هذه الخطوة منذ سنوات، وهذا ما يعرفه كل الأتراك الذين يعرفون أيضاً أن هذه الخطوة ليست إلا «مسرحية انتخابية هزلية» بحتة. فالمتحف الذي كان كنيسة شيدها البيزنطيون في القسطنطينية عاصمة بلادهم عام 532 ميلادية، وبعد نجاح السلطان الشاب محمد الفاتح في افتتاح القسطنطينية عام 1453، وضمها إلى دولته، وتغيير اسمها إلى إسطنبول، جاء قراره بتحويل هذه الكنيسة إلى مسجد.
وبعد سقوط الخلافة العثمانية عقب الحرب العالمية الأولى وتأسيس دولة تركيا الحديثة، قرر زعيمها مصطفى كمال تحويل المسجد إلى «متحف أثري» عام 1934 استرضاء للغرب، والآن يجيء أردوغان ليحول المتحف إلى مسجد في محاولة مستميتة منه لاسترضاء الشعب التركي، للتغطية على فشله الداخلي والخارجي، وهو الفشل الذي تراه المعارضة التركية إعلاناً كبيراً ب«انتهاء عصر أردوغان».

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"