الانفجار والتحقيق الدولي

03:12 صباحا
قراءة 3 دقائق
نبيل سالم

بداية لا بد من التأكيد على أن وجه بيروت المدمّى نتيجة الانفجار الأخير في مرفئها، سيعود مشرقاً كما كان، وستعود البسمة لتجرف آثار الدموع على خدي بيروت الجميلة، بيروت التي تنهض من تحت ركامها في كل مرة، كطائر الفينيق، بيروت التي صمدت أمام المحن والنكبات، والتي بقيت واقفة كأشجار الأرز اللبناني شامخة خلال كل الحروب، وقاومت ببسالة نادرة الغزو «الإسرائيلي» الغادر عام 1982.
وأياً كان السبب في هذه الكارثة التي أصابت درة الشرق، فإن بيروت ستمسح وجهها النقي وقدميها، التي تغطيها الدماء في مياه المتوسط، لتقف من جديد، وتتخطى محنتها بفضل عزيمة الشعب اللبناني، ووقوف الشرفاء كل الشرفاء إلى جانبها في هذا المصاب الأليم.
لكن السؤال الكبير الذي يفرضه هذا الانفجار والحدث الجلل، هو لماذا يصر البعض على استثناء «إسرائيل» من المسؤولية عن الانفجار؟
بالتأكيد إن هذا السؤال لا يعني، أن أحداً يستطيع تحديد السبب في هذه الكارثة، من خلال مقال مهما كان مطولاً، وأن معرفة السبب الحقيقي تقع ضمن مسؤوليات محققين، وخبراء متخصصين، يستطيعون تقديم الأدلة العلمية الثابتة والدامغة، التي لا تستطيع المراوغات والمناورات السياسية طمسها.
صحيح أن لبنان يعاني كغيره من دول الع`الم الثالث، المبتلى بالفساد والمؤامرات الخارجية، والمحاط بلصوص القوى العظمى، ولا سيما الغربية منها، إلا أن استثناء الأصابع «الإسرائيلية»، من المسؤولية عن هذه الكارثة، أقل ما يقال فيه، هو أنه استباق غير منطقي ومقصود، لتحقيق دولي نزيه ومحايد، وعلمي، يمكنه لو توفرت الإرادة الدولية، أن يكشف عن حقيقة الأسباب التي أوصلت هذه العاصمة العربية إلى ما وصلت إليه من دمار وآلام.
ولكن لماذا يستبعد الدور «الإسرائيلي» في هذه الكارثة اللبنانية؟
في الحقيقة هناك الكثير من الأسباب التي تجعلنا لا نستبعد هذا الدور، ومن أهمها استباحة الأجواء اللبنانية من قبل الطيران الحربي «الإسرائيلي» بشكل يومي، وعلى مساحة الجغرافيا اللبنانية، زد على ذلك أن «إسرائيل» هددت أكثر من مرة باستهداف العمق اللبناني، والمراكز الحيوية في لبنان، حتى أن رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو، أشار إلى مرفأ بيروت صراحة في الكثير من تهديداته للبنان؟
في الواقع هناك الكثير من الأسباب التي تقف وراء تلك التبرئة ل«إسرائيل» لا داعي للخوض فيها؛ لأنها كثيرة ومتشعبة، ولكن ما يجب قوله في هذه الكارثة التي ألمت بلبنان، هو أن الحكمة والمسؤولية تقتضيان ألّا يستبعد أي احتمال لضلوع الطغمة العسكرية الحاكمة في «إسرائيل» في هذه الجريمة الكبرى، خاصة أن المستفيد الأكبر من دمار الدول العربية، وتمزيق وتبديد مصادر قوتها، هو الاحتلال «الإسرائيلي»، الذي يجثم منذ عشرات السنين على صدور العرب، ويصدّر لهم الويلات والمؤامرات التي لا تنتهي.
كما أنه من المهم جداً ألا ننسى تلك المنافسة التاريخية التي كانت قائمة بين مرفأي حيفا وبيروت، خاصة أنه بعد إقامة «إسرائيل» عام 1948 أصبحت بيروت هي صلة الوصل بين أوروبا وآسيا وإفريقيا عبر مرفئها الشهير، الذي حلّ بدلاً من مرفأ حيفا، كما استفادت بيروت أيضاً من الطفرة التي حدثت في الخليج العربي، نتيجة ارتفاع عائدات النفط ونمو الاقتصادات النفطية العربية.
على أية حال مهما كانت الأسباب التي تقف وراء انفجار مرفأ بيروت فإن من المهم ألّا يُستثنى أبداً احتمال ضلوع «إسرائيل» في هذه الكارثة، وهو ما يستدعي التحقيق الدولي الشفاف والموضوعي، اللهم إن وجد مثل هذا التحقيق في عالمنا الحالي، الذي تسيطر عليه القوى الغربية.
أخيراً، لا بد من القول إنه ورغم ألم الفاجعة التي ألمت بلبنان، فإن هذا البلد العربي الصغير، عوّدنا على النهوض من كبواته، ليثبت أنه بلد حضاري ذو هوية وتاريخ ثقافيين مميزين، رغم كل ما يعانيه من فساد أو إهمال على يد شريحة منتفعة، غلبت مصالحها الشخصية على مصالح الوطن.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"