تونس تحاول تجاوز الأحزاب

04:27 صباحا
قراءة 3 دقائق
حافظ البرغوثي

خرج الرئيس التونسي قيس سعيد، عن السياق السياسي المعتمد بتكليفه شخصية غير حزبية هو هشام المشيشي بتشكيل حكومة جديد خلفاً لحكومة الفخاخ التي استقالت بسبب تضارب المصالح لرئيسها واتهامه بالفساد، ويحاول الرئيس سعيد أن يضع حداً للتشرذم الحزبي الذي حال دون تقدم تونس إلى الأمام اقتصادياً واجتماعياً منذ إطاحة الرئيس زين العابدين بن علي.
وقد دخلت تونس منذ ذلك الحين في تجاذبات حزبية، أضرت بالاقتصاد وزادت من البطالة وعملت على تضخم الدين العام الخارجي والداخلي. وقد أفصح الرئيس سعيد، عن الأسباب التي جعلته يكلف شخصية غير حزبية والطلب منه تشكيل حكومة مستقلين من الكفاءات عندما اتهم أطرافاً لم يسمها بمحاولة إفشال التجربة التونسية.
وقال: «إن للدولة التونسية رئيساً واحداً وسيتحمل مسؤوليته كاملة في الحفاظ على الدولة».
وبخصوص تفاقم ظاهرة الهجرة غير النظامية في تونس خلال يوليو/تموز الماضي، اتهم الرئيس أطرافاً سياسية بالوقوف وراء تزايد رحلات الهجرة غير النظامية. وهو هنا كأنما يشير إلى حركة «النهضة» بزعامة راشد الغنوشي الذي ما زال يسعى ضمن سياسة التمكين «الإخوانية» للسيطرة على مفاصل الحكم في تونس، على الرغم من تراجع نفوذ «النهضة» إلى الربع بعد أن كان يمثل الأغلبية ولعل التراجع الاقتصادي وتذمر العمال وركود الموسم السياحي وزيادة الهجرة في أوساط الشباب نحو أوروبا، وخاصة إيطاليا، جعلت الرئيس يكلف المشيشي الذي أكد أنه سيعمل على تشكيل حكومة كفاءات مستقلة يكون محور اهتمامها المواطن بعيداً عن التجاذبات السياسية، في حين أعلنت حركة «النهضة» أنها تعارض تشكيل حكومة مستقلين.
وأضاف المشيشي أن درجة الاختلاف بين الفرقاء السياسيين في البلاد كبيرة، ولا تسمح بتكوين حكومة تجمع الأحزاب.
وتخشى حركة «النهضة»- التي تشغل 54 مقعداً من أصل 217 في البرلمان استبعادها من حكومة المشيشي أو الذهاب إلى انتخابات جديدة تفقدها المزيد من المقاعد بسبب الظروف الاقتصادية.
وبعد تشكيل حكومته، يترتب على المشيشي الحصول على ثقة البرلمان بغالبيته المطلقة بحلول مطلع سبتمبر/أيلول. وإذا تعذر ذلك، فسيتم حل البرلمان وإجراء انتخابات تشريعية جديدة. ومما يزيد الموقف تعقيداً أن البرلمان يعاني نفسه ارتباكاً؛ حيث واجه رئيسه راشد الغنوشي، إجراءات واتهامات بحجب الثقة عنه. ويعتقد بعض المحللين أن السبيل الوحيد للخروج من الأزمة هو إجراء انتخابات جديدة، وخروجها ببرلمان أكثر تجانساً يمكن أن يتفق على حكومة مستقرة قادرة على إقرار التشريعات منذ ثورة 2011 التي أتت بالديمقراطية بعد عقود من الحكم الاستبداد؛ حيث أصيب الاقتصاد بالركود وتراجعت مستويات المعيشة كما تدهورت الخدمات العامة. فقد تراجعت نسبة النمو إلى نحو 6.5% سلبي وتفاقم عجز ميزانية البلاد بنسبة 56 % خلال النصف الأول من السنة الحالية وتراجعت المداخيل الجبائية للدولة في الستة الأشهر الأولى من سنة 2020 مقارنة مع سنة 2019 ب12 %. وتراجع النشاط السياحي بنحو 80 %، وارتفعت نسبة البطالة لنحو 20 في المئة. وفقد أكثر من 270 ألف تونسي وظائفهم بسبب جائحة كورونا ووصلت المديونية إلى 85%.
وقد تجنبت الائتلافات الحاكمة المتعاقبة المواجهة فيما يتعلق بالقضايا الكبرى ولجأت إلى حلول وسط أرضت القليل من التونسيين، بينما أجلت القرارات المهمة خاصة تلك المتعلقة بالاقتصاد. وفي الوقت نفسه، تصارعت الأحزاب بشأن أحكام دستور 2014 المعقد الذي جمع بين النظامين الرئاسي والبرلماني. وكان من المفترض أن تبت محكمة خاصة في النزاعات، لكن البرلمان لم يشكلها بعد.
ويريد الرئيس سعيد، وهو سياسي مستقل انتخب العام الماضي 2019 في تصويت منفصل عن الانتخابات البرلمانية، أن يلغي الأحزاب السياسية ويمنح الرئاسة مزيداً من السلطات، لكنه ربما لا يحظى بالدعم الكافي لتنفيذ ذلك. لهذا لجأ إلى محاولة تشكيل حكومة كفاءات من خارج الأحزاب، فما يشغل باله وبال التونسيين هو الوضع الاقتصادي وعدم جر تونس الى المحور التركي في ليبيا، كما يريد «إخوان» تونس. لكن العنصر الاقتصادي هو قارب النجاة لتونس حتى لا تغرق مثل جوارها الليبي؛ وحيث توجد بذور إرهابية في تونس من بقايا «النصرة» و«داعش» وجماعة «الإخوان» التي لديها جهاز سري مسلح مارس الاغتيال السياسي في تونس.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"