صفيح «المتوسط» الساخن

04:20 صباحا
قراءة 3 دقائق
نبيل سالم

على الرغم من محاولات العديد من الأطراف الإقليمية والدولية، تهدئة الأوضاع في شرق المتوسط، ونزع فتيل الأزمة التي فجرها اكتشاف الغاز بكميات كبيرة في البحر المتوسط، فإن من يراقب المواقف التي تتخذها أطراف الصراع الدائر حول هذه الثروة الطبيعية الهائلة، يدرك أن شبح الحروب قد يكون أقرب من أي وقت مضى، في ظل إمعان أنقرة في تجاهل القوانين الدولية، الخاصة بالبحار، وإصرارها على التنقيب في مياه بعيدة عن شواطئها، بعد الاتفاق الذي أبرمته مع حكومة الوفاق الليبية برئاسة فايز السراج، وتدخلها السافر في هذا البلد العربي، والذي يهدف إلى سرقة الثروات الليبية.
فكما هو معروف، وفي نوفمبر / تشرين الثاني 2019، وقعت أنقرة اتفاقاً مع السراج تقول تركيا: إنه يؤسس لمنطقة اقتصادية خالصة تمتد من الساحل الجنوبي لتركيا حتى شمال شرق ليبيا، وهو اتفاق أكدت مصر أنه غير قانوني، فيما اعتبرته أثينا منافياً للمنطق نظراً لوقوع جزيرة كريت اليونانية في المنطقة، حيث تم منح عدة تراخيص لشركة «تيركيش بيتروليوم» التركية للنفط للتنقيب في شرق المتوسط، بما في ذلك قبالة سواحل جزيرتي رودوس وكريت اليونانيتين.
وإزاء ذلك تبدو احتمالات نشوب مواجهة بين اليونان وتركيا كبيرة، بعد أن أرسلت تركيا سفينة أبحاث للمسح الزلزالي في المنطقة المتنازع عليها شرقي البحر المتوسط، حيث أجبرت الخطوة التركية اليونان على رفع حالة التأهب، في صفوف قواتها المسلحة، فيما أعرب الاتحاد الأوروبي عن معارضته الواضحة للممارسات التركية، قائلاً: إن الإخطار التركي «غير مفيد ويبعث برسالة خاطئة».
كما دان الاتحاد الأوروبي تحركات تركيا قبالة سواحل قبرص، غير أن تركيا لم تتراجع عن انتهاك سيادة دول في شرق المتوسط، وواصلت عمليات التنقيب، بل وواصلت سياسة الابتزاز التي تجيد استعمالها، من خلال ورقة اللاجئين للضغط على الأوروبيين، حيث هددت أكثر من مرة بإغراق أوروبا بملايين اللاجئين المقيمين على أراضيها.
وكما هو معروف تتحدى مهمة السفينة التي أرسلتها أنقرة إلى البحر المتوسط اتفاقية يونانية-مصرية أُبرمت للتنقيب عن الغاز، وهو ما يعني أن أنقرة إنما تريد إملاء إرادتها، متجاهلة حساسية الأوضاع في المنطقة، وخاصة أن اندفاع تركيا أكثر إلى عمق أزمات المنطقة، يبدو أنه محاولة من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لتصدير أزماته الداخلية، إضافة إلى أطماعه المعروفة في المنطقة.
ويبدو أن أردوغان اختار المواجهة على حل المشكلات القائمة من خلال الحوار، لأن استئناف أعمال التنقيب في شرق المتوسط، إضافة إلى التحركات والمناورات التي تجريها القوات التركية في المتوسط، كل ذلك يعني أن أردوغان يريد إملاء إرادته بمعزل عن التفاوض مع الجوار، على الرغم مما نقل عن وزير الدفاع التركي خلوصي أكار بأن بلاده تريد تسوية النزاع عن طريق الحوار.
لكن أكار أرسل في الوقت ذاته رسالة إلى اليونان ومصر، تدل على تعنت ليس في محله عندما قال: «يجب أن يكون معروفاً أن بحارنا جزء من وطننا، وكل قطرة منها ذات قيمة».
ويأتي ذلك مترافقاً مع أخبار مفادها أن سفناً حربية من كل من تركيا واليونان تستعد لتسيير دوريات في المنطقة.
وبذلك نلاحظ أن تركيا تدفع بمنطقة شرق المتوسط إلى حافة الهاوية، عبر تعمّدها استفزاز دولها، من خلال عمليات التنقيب التي تجريها اعتماداً على اتفاق غير شرعي وقّعته تركيا مع حكومة الوفاق في طرابلس الغرب.
ويؤكد المراقبون أن السياسة التركية تظهر استمرار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في البحث عن مواجهة جديدة، في ظل استحقاقات داخلية كبيرة على الصعيد الانتخابي، وفشل حكومته في إدارة العديد من الملفات الداخلية، وخصوصا الاقتصادية.


[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"