مسلسل المفاوضات السوري

04:32 صباحا
قراءة 3 دقائق
نبيل سالم

على الرغم من الآمال التي علقها الكثيرون على المناقشات التي دارت في جنيف حول الدستور السوري، فإن هذه المناقشات انتهت من دون تحقيق أي تقدم ملموس ينقل الأزمة السورية الدامية إلى مرحلة الحل، وينهي آلام الشعب السوري التي تتزايد بسبب الصراع المستمر منذ ما يقرب من عشر سنوات، إضافة إلى تردي الأوضاع الاقتصادية، بسبب العقوبات الغربية والأمريكية خاصة المفروضة على سوريا.
لكن على الرغم مما آلت إليه المناقشات التي شارك فيها ممثلون عن الحكومة السورية و«المعارضة» فإن موفد الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا، جير بيدرسون، أكد أن المشاركين في هذه المناقشات وجدوا نقاطاً مشتركة، وأنهم يتطلعون إلى الاجتماع مجدداً، مقراً في الوقت ذاته بوجود عقبات كبيرة، وخلافات قوية، قائلاً: «بعد عشر سنوات من النزاع، من الواضح أنه لا تزال هناك خلافات قوية». وأضاف: «إن ما جرى يظهر أنه من الممكن المضي قدماً في المحادثات بطريقة مسؤولة».
هذا التفاؤل الحذر جسدته أيضاً تصريحات لرئيس وفد «المعارضة السورية» هاني البحرة الذي قال: إنّه في وقتٍ كانت هناك نقاط خلاف معيّنة، فإنه يعتقد أن «القواسم المشتركة كانت أكبر من الاختلافات»، في حين نقل عن مصدر حكومي سوري تأكيد حرص دمشق على مواصلة العمل بانفتاح في الجولات المقبلة.
وتعتبر هذه التصريحات في الواقع مشجعة، لكنها ليست كافية للحالمين بنهاية للصراع السوري السوري، وتداعياته المعقدة على مساحة الخريطة السورية، ولا سيما أن المشاركين لم يتفقوا على فحوى جلسة المناقشات المقبلة أو تاريخها، وهو ما يعيد إلى الأذهان سلسلة الإخفاقات التي واجهها موفدو الأمم المتحدة السابقون إلى سوريا، والذين انتهت مهماتهم في أغلب الأحيان بالاستقالة، بعد مباحثات ومفاوضات مضنية مع أطراف الأزمة السورية.
وكما هو معروف فإن مراجعة الدستور واردة بشكل بارز في القرار 2254 الذي تبنّاه مجلس الأمن في ديسمبر 2015، والذي ينصّ أيضاً على تنظيم انتخابات بإشراف الأمم المتحدة، إلا أن كل المفاوضات ظلت تراوح في مكانها، أو تحقق تقدماً طفيفاً في أفضل الحالات، وهو الأمر الذي يفتح الباب أمام تساؤل حقيقي عن مدى قدرة الأمم المتحدة على حل الأزمة السورية، وإمكانية أن تفضي هذه المباحثات التي تنظم تحت إشرافها إلى نهاية للأزمة السورية الدامية والمستعصية، حيث يؤكد الكثير من المهتمين بالشأن السوري أن العقبة الرئيسية في الأزمة السورية لا تكمن فقط في طريقة سير الحوار السوري السوري، وإنما في التدخلات الإقليمية والدولية في الساحة السورية، التي باتت على ما يبدو ساحة لتصفية الحسابات لبعض القوى الكبرى، أو الإقليمية التي انغمست في تفاصيل الأزمة السورية، وغرقت في أوحالها.
أخيراً، لا بد من القول: إن أي حل حقيقي ينهي المأساة السورية لن يتم إلا عندما تتوفر الإرادة الحقيقية لدى جميع الأطراف، بعيداً عن الضغوط الخارجية، سواء على الحكومة أو المعارضة، ولا سيما أن الشعب السوري وحده هو من يدفع ثمن هذا الصراع الدموي، سواء من خلال الموت اليومي المجاني، في المعارك المتنقلة على الساحة السورية، أو بسبب الفقر والبطالة غير المسبوقة التي تشهدها البلاد، بسبب الضغوط الاقتصادية، وفقدان الدولة السورية للكثير من مصادر ثرواتها الطبيعية، في ظل تواجد أكثر من قوة على الأراضي السورية، ولا سيما في المناطق الغنية بالثروات الطبيعية، وما لم تتوفر الإرادة الحقيقية لدى أطراف النزاع السوري من السوريين أنفسهم، ستبقى هذه المناقشات أو غيرها تدور في حلقة مفرغة، ولن تسهم بأي حال من الأحوال في تضميد الجراح السورية الغائرة والنازفة، كما ستبقى هذه المناقشات أشبه بمسلسل طويل وممل.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"