يجمع العلماء على أن الحديث في اللغة الجديد من الأشياء، والحديث هو الخبر الذي يأتي على القليل والكثير، والجمع أحاديث كقطيع أو أقاطيع والحديث في قوله تعالى: «إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا» يعني القرآن الكريم، وقوله تعالى: «وأما بنعمة ربك فحدث» أي: بلغ ما أرسلت به.
ويقول محمد عجاج الخطيب في كتابه «السنة قبل التدوين»: «إن الحديث والخبر في اللغة مترادفان من وجه، وقد تطور استعمال هذا اللفظ، وأصبح يطلق على نوع خاص من الأخبار في الأوساط الدينية بدون أن يخرجه ذلك عن معناه العام»، يقول ابن مسعود: «إن أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم» وهكذا أصبح القرآن أحسن الحديث. ثم حدد معنى الحديث أخيراً بأخبار الرسول، سأل أبو هريرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ فقال له الرسول: «لقد ظننت يا أبا هريرة ألا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك، لما رأيت من حرصك على الحديث».
أيضاً الحديث مرادف للسنة عند المحدثين. وقيل الحديث ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم والخبر ما جاء عن غيره، ومن ثم قيل لمن يشتغل بالسنة محدث، وبالتواريخ ونحوها إخباري.
فخلاصة القول: إذا أطلق لفظ (الحديث) أريد ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول، أو فعل، أو تقرير، أو صفة خَلقية، أو خلقية. وقد يراد به ما أضيف إلى صحابي أو تابعي، ولكن الغالب أن يقيد إذا ما أريد به غير النبي صلى الله عليه وسلم.
ويراد بالخبر والأثر ما أضيف إلى النبي عليه الصلاة والسلام وما أضيف إلى الصحابة والتابعين وهذا رأي الجمهور.
الأحاديث القدسية
وكل حديث يضيف فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم قولاً إلى الله عز وجل يسمى بالحديث القدسي أو الإلهي، والأحاديث القدسية أكثر من مئة حديث، وقد جمعها بعضهم في جزء كبير، ونسبة الحديث إلى القدس (وهو الطهارة والتنزيه) وإلى الإله أو إلى الرب، لأنه صادر عن الله تبارك وتعالى (من حيث إنه المتكلم به أولا والمنشئ له. وأما كونه حديثاً، فلأن الرسول هو الحاكي له عن ربه عز وجل، والفرق بينه وبين سائر الأحاديث، أن هذه نسبتها إليه، وحكايتها عنه فهو القائل وهو الحاكي عن نفسه، وأما تلك فلا).
ويذكر الدكتور طه الدسوقي حبيشي في كتاب «السنة في مواجهة أعدائها»، أن الفقهاء أجمعوا على أن السنة، هي كل ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن من باب الفرق ولا الواجب، فهي الطريقة المتبعة في الدين من غير افتراض ولا وجوب. وقد تطلق السنة عند الفقهاء في مقابلة البدعة، والبدعة لغةً : الأمر المستحدث، ثم أطلقت في الشرع على كل ما أحدثه الناس من قول وعمل في الدين وشعائره مما لم يؤثر عنه صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه رد».
ومن ذلك قولهم «فلان على سنة» إذا عمل على وفق ما عمل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، سواء كان ذلك مما نص عليه في الكتاب أم لم يكن، وقولهم: «فلان على بدعة» إذا عمل على خلاف ما عملوه أو أحدث في الدين ما لم يكن عليه السلف.
سنة الصحابة
وتطلق السنة أحياناً عند المحدثين وعلماء أصول الفقه على ما عمل به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، سواء أكان ذلك في الكتاب الكريم أم في المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم أم لا. ويحتج لذلك بقوله عليه الصلاة والسلام: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ». وقوله أيضاً: «تفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، قالوا: ومن هم يا رسول الله؟ قال: ما أنا عليه وأصحابي».
ومن أبرز ما ثبت في السنة بهذا المعنى «سنة الصحابة» حد الخمر، وتضمين الصناع، وجمع المصاحف في عهد أبي بكر برأي الفاروق، وحمل الناس على القراءة بحرف واحد من الحروف السبعة، وتدوين الدواوين، وما أشبه ذلك مما اقتضاه النظر المصلحي الذي أقره الصحابة رضي الله عنهم.
والمراد بالسنة ما يرادف الحديث عند جمهورهم، وإن كان بعضهم يفرق بينهما. فيرى الحديث ما ينقل عن النبي عليه الصلاة والسلام. والسنة ما كان عليه العمل المأثور في الصدر الأول، ولذلك قد ترد أحاديث تخالف السنة المعمول بها، فيلجأ العلماء حينئذ إلى التوفيق والترجيح، وعلى ذلك يُحمل قول عبد الرحمن بن مهدي: «لم أر أحداً قط أعلم بالسنة ولا بالحديث الذي يدخل في السنة من حماد بن زيد».
وكذلك قوله عندما سئل عن سفيان الثوري والأوزاعي ومالك: «سفيان الثوري إمام في الحديث وليس بإمام في السنة، والأوزاعي إمام في السنة وليس بإمام في الحديث، ومالك إمام فيهما».
العمل المتبع
ومما يدل على أن السنة هي العمل المتبع في الصدر الأول قول علي بن أبي طالب لعبد الله بن جعفر عندما جلد شارب الخمر أربعين جلدة:«كفَّ». جلد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين وأبو بكر أربعين، وكملها عمر ثمانين وكل سنة». ومن هنا فالسنة هي الطريقة القويمة المحمودة، والأنموذج الذي يحتذى به، وهي البيان الشافي الكافي للرسالة الخاتمة، وقد ابتدأها النبي صلى الله عليه وسلم بوحي من ربه عز وجل وعمل بها الصحابة الكرام وسائر المسلمين من بعده تطبيقاً لأمر الله عز وجل بوجوب الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: «إن السنة التي يجب اتباعها ويحمد أهلها ويذم من خالفها هي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمور الاعتقاد وأمور العبادات وسائر أمور الديانات، وذلك إنما يعرف بمعرفة أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم الثابتة عنه في أقواله وأفعاله، وما تركه من قول وعمل». وبهذا المعنى يتضح أن الحديث والخبر والأثر تدعو للالتزام بالسنة والامتثال لقوله صلى الله عليه وسلم: «فمن رغب عن سنتي فليس مني»، وقوله: «إنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين عضّوا عليها بالنواجذ».