الحديث والخبر والأثر في‮ ‬ضوء السنة

وما ينطق عن الهوى
02:40 صباحا
قراءة 5 دقائق

‮‬يجمع العلماء على أن الحديث في‮ ‬اللغة الجديد من الأشياء، ‮ ‬والحديث هو الخبر‮ ‬الذي يأتي‮ ‬على القليل والكثير، ‮ ‬والجمع أحاديث كقطيع أو أقاطيع والحديث في قوله تعالى‮: ‬«إن لم‮ ‬يؤمنوا بهذا الحديث أسفا» يعني‮ القرآن الكريم، ‮ ‬وقوله تعالى‮: ‬ «وأما بنعمة ربك فحدث» أي‮: ‬بلغ‮ ‬ما أرسلت به‮.‬
‮ ‬ويقول محمد عجاج الخطيب في‮ ‬كتابه‮ «‬السنة قبل التدوين‮»: «إن الحديث والخبر في‮ ‬اللغة مترادفان من وجه، ‬وقد تطور استعمال هذا اللفظ، ‮ ‬وأصبح‮ ‬يطلق على نوع خاص من الأخبار في‮ ‬الأوساط الدينية بدون أن‮ ‬يخرجه ذلك عن معناه العام»، ‮ ‬يقول ابن مسعود‮: «‬إن أحسن الحديث كتاب الله، ‮ ‬وخير الهدي‮ ‬هدي‮ ‬محمد صلى الله عليه وسلم‮» ‬وهكذا أصبح القرآن أحسن الحديث‮. ‬ثم حدد معنى الحديث أخيراً‮ ‬بأخبار الرسول، ‮ ‬سأل أبو هريرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ‮ ‬فقال‮ ‬يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك‮ ‬يوم القيامة؟ فقال له الرسول‮: «‬لقد ظننت‮ ‬يا أبا هريرة ألا‮ ‬يسألني‮ ‬عن هذا الحديث أحد أول منك، ‮ ‬لما رأيت من حرصك على الحديث‮».‬
أيضاً‮ ‬الحديث مرادف ‬للسنة عند المحدثين‮. ‬وقيل الحديث ما جاء عن النبي‮ ‬صلى الله عليه وسلم والخبر ما جاء عن‮ ‬غيره، ‮ ‬ومن ثم قيل لمن‮ ‬يشتغل بالسنة محدث، ‬وبالتواريخ ونحوها إخباري‮.
فخلاصة القول‮: ‬إذا أطلق لفظ‮ (‬الحديث‮) ‬أريد ما أضيف إلى النبي‮ ‬صلى الله عليه وسلم من قول، ‮ ‬أو فعل، ‮ ‬أو تقرير، ‮ ‬أو صفة خَلقية، ‬أو خلقية‮. ‬وقد‮ ‬يراد به ما أضيف إلى صحابي‮ ‬أو تابعي، ‮ ‬ولكن الغالب أن‮ ‬يقيد إذا ما أريد به‮ ‬غير النبي‮ ‬صلى الله عليه وسلم‮.‬
‮ ويراد بالخبر والأثر ما أضيف إلى النبي‮ ‬عليه الصلاة والسلام وما أضيف إلى الصحابة والتابعين وهذا رأي‮ ‬الجمهور‮.


الأحاديث القدسية


وكل حديث‮ ‬يضيف فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم قولاً إلى الله عز وجل‮ ‬يسمى بالحديث القدسي‮ ‬أو الإلهي، ‮ ‬والأحاديث القدسية أكثر من مئة حديث، ‮ ‬وقد جمعها بعضهم في‮ ‬جزء كبير، ‮ ‬ونسبة الحديث إلى القدس‮ (‬وهو الطهارة والتنزيه‮) ‬وإلى الإله أو إلى الرب، ‮ ‬لأنه صادر عن الله تبارك وتعالى‮ (‬من حيث إنه المتكلم به أولا والمنشئ له‮. ‬وأما كونه حديثاً، ‮ ‬فلأن الرسول هو الحاكي‮ ‬له عن ربه عز وجل، ‮ ‬والفرق بينه وبين سائر الأحاديث، ‮ ‬أن هذه نسبتها إليه، ‮ ‬وحكايتها عنه فهو القائل وهو الحاكي‮ ‬عن نفسه، ‮ ‬وأما تلك فلا‮).‬
‮ ‬ويذكر الدكتور طه الدسوقي‮ ‬حبيشي‮ ‬في‮ ‬كتاب‮ «‬السنة في‮ ‬مواجهة أعدائها‮»‬، ‬أن الفقهاء أجمعوا على أن السنة، ‮ ‬هي‮ ‬كل ما ثبت عن النبي‮ ‬صلى‮ ‬الله عليه وسلم ولم‮ ‬يكن من باب الفرق ولا الواجب، ‮ ‬فهي‮ ‬الطريقة المتبعة في‮ ‬الدين من‮ ‬غير افتراض ولا وجوب‮. ‬وقد تطلق السنة عند الفقهاء في‮ ‬مقابلة البدعة، ‮ ‬والبدعة لغةً : الأمر المستحدث، ‮ ‬ثم أطلقت في‮ ‬الشرع على كل ما أحدثه الناس من قول وعمل في‮ ‬الدين وشعائره مما لم‮ ‬يؤثر عنه صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه‮. ‬وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‮: «‬من أحدث في‮ ‬أمرنا هذا ما ليس منه رد‮».‬
‮ ‬ومن ذلك قولهم‮ «‬فلان على سنة‮» ‬إذا عمل على وفق ما عمل النبي‮ ‬صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ‮ ‬سواء كان ذلك مما نص عليه في‮ ‬الكتاب أم لم‮ ‬يكن، ‮ ‬وقولهم‮: «‬فلان على بدعة‮» ‬إذا عمل على خلاف ما عملوه أو أحدث في‮ ‬الدين ما لم‮ ‬يكن عليه السلف‮.‬


سنة الصحابة


‮وتطلق السنة أحياناً عند المحدثين وعلماء أصول الفقه على ما عمل به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ‮ ‬سواء أكان ذلك في‮ ‬الكتاب الكريم أم في‮ ‬المأثور عن النبي‮ ‬صلى الله عليه وسلم أم لا‮. ‬ويحتج لذلك بقوله عليه الصلاة والسلام‮: «‬عليكم بسنتي‮ ‬وسنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ»‮. ‬وقوله أيضاً‮: «‬تفترق أمتي‮ ‬على ثلاث وسبعين فرقة كلها في‮ ‬النار إلا واحدة، ‮ ‬قالوا‮: ‬ومن هم‮ ‬يا رسول الله؟ قال‮: ‬ما أنا عليه وأصحابي‮».‬
‮ ‬ومن أبرز ما ثبت في‮ ‬السنة بهذا المعنى «‬سنة الصحابة» ‬حد الخمر، ‮ ‬وتضمين الصناع، ‮ ‬وجمع المصاحف في‮ ‬عهد أبي‮ ‬بكر برأي‮ ‬الفاروق، ‮ ‬وحمل الناس على القراءة بحرف واحد من الحروف السبعة، ‮ ‬وتدوين الدواوين، ‮ ‬وما أشبه ذلك مما اقتضاه النظر المصلحي‮ ‬الذي‮ ‬أقره الصحابة رضي‮ ‬الله عنهم‮.‬
‮ ‬والمراد بالسنة ما‮ ‬يرادف الحديث عند جمهورهم، ‮ ‬وإن كان بعضهم‮ ‬يفرق بينهما‮. ‬فيرى الحديث ما‮ ‬ينقل عن النبي‮ ‬عليه الصلاة والسلام‮. ‬والسنة ما كان عليه العمل المأثور‮ ‬في‮ ‬الصدر الأول، ‮ ‬ولذلك قد ترد أحاديث تخالف السنة المعمول بها، ‮ ‬فيلجأ العلماء حينئذ إلى التوفيق والترجيح، ‮ ‬وعلى ذلك‮ ‬يُحمل قول عبد الرحمن بن مهدي‮: «‬لم أر أحداً‮ ‬قط أعلم بالسنة ولا بالحديث الذي‮ ‬يدخل في‮ ‬السنة من حماد بن زيد»‮.‬
‮ ‬وكذلك قوله عندما سئل عن سفيان الثوري‮ ‬والأوزاعي‮ ‬ومالك‮: ‬«سفيان الثوري‮ ‬إمام في‮ ‬الحديث وليس بإمام في‮ ‬السنة، ‮ ‬والأوزاعي‮ ‬إمام في‮ ‬السنة وليس بإمام في‮ ‬الحديث، ‮ ‬ومالك إمام فيهما‮».‬


العمل المتبع


‮ومما‮ ‬يدل على أن السنة هي‮ ‬العمل المتبع في‮ ‬الصدر الأول قول علي‮ ‬بن أبي‮ ‬طالب لعبد الله بن جعفر عندما جلد شارب الخمر أربعين جلدة‮:«‬كفَّ‮». ‬جلد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين وأبو بكر أربعين، ‮ ‬وكملها عمر ثمانين وكل سنة‮». ‬ومن هنا فالسنة هي‮ ‬الطريقة القويمة المحمودة، ‮ ‬والأنموذج الذي‮ ‬يحتذى‮ ‬به، ‮ ‬وهي‮ ‬البيان الشافي‮ ‬الكافي‮ ‬للرسالة الخاتمة، ‮ ‬وقد ابتدأها النبي‮ ‬صلى الله عليه وسلم‮ ‬ بوحي‮ ‬من ربه عز وجل‮ ‬ وعمل بها الصحابة الكرام وسائر المسلمين من بعده تطبيقاً‮ ‬لأمر الله عز وجل بوجوب الاقتداء بالنبي‮ ‬صلى الله عليه وسلم‮.‬
‮ ‬وقال شيخ الإسلام ابن تيمية‮: «‬إن السنة التي‮ ‬يجب اتباعها ويحمد أهلها ويذم من خالفها هي‮ ‬سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في‮ ‬أمور الاعتقاد وأمور العبادات وسائر أمور الديانات، ‮ ‬وذلك إنما‮ ‬يعرف بمعرفة أحاديث النبي‮ ‬صلى الله عليه وسلم الثابتة عنه في‮ ‬أقواله وأفعاله، ‮ ‬وما تركه من قول وعمل‮».‬ ‮ ‬وبهذا المعنى‮ ‬يتضح أن الحديث والخبر والأثر‮ تدعو للالتزام بالسنة والامتثال لقوله صلى الله عليه وسلم‮: «‬فمن رغب عن سنتي‮ ‬فليس مني‮»‬، ‮ ‬وقوله‮: «‬إنه من‮ ‬يعش منكم فسيرى اختلافاً‮ ‬كثيراً، ‮ ‬فعليكم بسنتي‮ ‬وسنة الخلفاء الراشدين عضّوا عليها بالنواجذ‮».‬

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"