مناورات «الأخّوة السلافية».. رسائل متعددة

03:42 صباحا
قراءة 4 دقائق
كتب - المحرر السياسي:

تختلف الأهداف الاستراتيجية وراء تنظيم المناورات العسكرية باختلاف منظميها، وعلى الرغم من أن أهدافها المعلنة تركز على رفع الجاهزية القتالية للقوات المشاركة، إلا أنها في الأغلب توجه رسائل سياسية للخصوم والأصدقاء على حد سواء.
في ظل التوتر الدائم الذي يسود علاقات روسيا مع الغرب، والذي يخبو حيناً ويعلو أحياناً؛ تكثر التكهنات حول المناورات الثلاثية التي تجريها روسيا وبيلاروسيا وصربيا على الأراضي البيلاروسية، تحت شعار: «الأخوة السلافية 2020» وتهدف حسب بيان وزارة الدفاع البلاروسية إلى التدريب على مكافحة الإرهاب.
وجاء في بيان للوزارة: «سوف تجرى في موقع «بريستسكي» التابع لفرقة قوات الإنزال المظلي الهجومية ال38، مناورات تكتيكية متعددة الجنسيات روسية - بيلاروسية - صربية في إطار تدريبات «الأخوة السلافية 2020» على مكافحة الإرهاب».
ويشارك في المناورات أكثر من 800 عسكري من البلدين، ونحو 170 وحدة مع معداتها العسكرية بما في ذلك عربات الانزال القتالية الحديثة وناقلات الجند، واللافت فيها مشاركة تشكيلات من قوات النخبة الروسية (بيسكوف).


دلالات الاسم


التسمية التي أطلقت على المناورات منذ إطلاقها أول مرة عام 2015 «الأخوة السلافية» تنطوي على عوامل معنوية في علم التعبئة العسكرية؛ حيث يتم استخدام كافة العناصر التي تعزز تلاحم الجماعات والشعوب.
والسلاف أو الصّقالبة هم مجموعة إثنية لغوية هندو أوروبيَّة يتحدثون باللغات السلافيَّة المتنوعة للمجموعة اللغوية البلطيقية السلافيَّة. ويمتد انتشارهم من وسط وشرق أوروبا على طول الطريق نحو الشمال والشرق إلى شمال شرق أوروبا وشمال آسيا وسيبيريا والقوقاز وآسيا الوسطى، وخاصة كازاخستان وتركمانستان. وهذا يشكل تكتلاً إثنياً تاريخياً في مواجهة شعوب أوروبا الغربية، ناهيك عن الاختلافات الدينية والمذهبية على مدى قرون من حكم الكنيسة.


اختيار الميدان العسكري


من الواضح أن اختيار بيلاروسيا لإجراء المناورات هذا العام، لم يأتِ من فراغ، وسط التوترات التي تشهدها البلاد بعد تجديد انتخاب الرئيس ألكسندر لوكاشينكو، واتهامات المعارضة له بالتزوير؛ حيث تطورت الأوضاع إلى تظاهرات عارمة ضد الرئيس ونظامه المدعوم من روسيا.
وكان طبيعياً أن يصطف الروس وخصومهم من دول الغرب كل طرف؛ لدعم حليفه، بعد أن لجأت زعيمة المعارضة البارزة سفيتلانا تيخانوفسكايا؛ وهي مدرسة ومترجمة لغة إنجليزية سابقة، إلى ليتوانيا؛ لتتفرغ للعمل السياسي بعد سجن زوجها مدون الفيديو الشهير، سيرجي تيكانوفسكي.
وعشية انطلاق المناورات؛ اتهم مدير الاستخبارات الخارجية الروسية، سيرجي نارشكين، الولايات المتحدة بحماية تيخانوفسكايا، وتخصيص 20 مليون دولار؛ للترويج للاحتجاجات المناهضة للحكومة، التي اندلعت بعد الانتخابات الرئاسية.
وقال نارشكين: إن الغرب بدأ التحضير للاحتجاجات قبل فترة طويلة من انتخابات 9 أغسطس/آب الماضي. وأضاف: «وفق معلومات جهاز الاستخبارات الخارجية الروسية، تلعب الولايات المتحدة دوراً مهماً في الأحداث الجارية في بيلاروسيا».
وقال الرئيس لوكاشينكو في اجتماع مع كبار المسؤولين: «نعرف من المسؤول عما يجري في بلادنا، ومن يريد أن يزعزع استقرار بيلاروسيا، ولذا فإننا لا نتخلى عن حذرنا، ونحن مستعدون للرد على أي تحد». وأضاف: إن الولايات المتحدة تقف «في المقام الأول» وراء الاحتجاجات التي تجري في شبكة مؤسساتنا؛ لدعم ما يسمى بالديمقراطية.
ولا تزال مثل هذه التطورات تثير القلق في الأوساط السياسية الروسية، وتزيد من دعوات الحذر منذ الثورة البرتقالية التي ميزت الحركة المناصرة للمرشح الرئاسي الأوكراني فيكتور يوشينكو، وأطاحت الرئيس المدعوم من روسيا، فيكتور يانوكوفيتش.


حساسية التدخل الخارجي


على الجانب الآخر، سارعت دول غربية للتحرك منذ بداية التوترات داخل بيلاروسيا. وبعيداً عن التدخل الأمريكي والدعم المادي الذي تقدمه واشنطن لزعماء المعارضة في بيلاروسيا؛ أعلنت كندا مساندتها للتظاهرات، وطالبت بإجراء انتخابات نزيهة. ودعت بريطانيا وفرنسا وبولندا، إلى وقف أعمال العنف ضد المتظاهرين وإعادة الانتخابات، والسماح لمراقبين مستقلين بالإشراف عليها.
وتوصل وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي مؤخراً إلى اتفاق بشأن احتمال فرض عقوبات على مسؤولين في بيلاروسيا، رافضين نتائج الانتخابات الرئاسية، وداعين موسكو إلى عدم التدخل.
وحض مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل موسكو على عدم التدخل في بيلاروسيا، بعدما تعهّد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتقديم دعم عسكري لرئيسها.


تحركات مشبوهة


تتمتع بيلاروسيا بوضع جيوسياسي خاص؛ فهي دولة ترتبط بحدود في الغرب مع دول أعضاء في حلف الناتو؛ هي: بولندا وليتوانيا ولاتفيا. وفي الجنوب لها حدود مع أوكرانيا وفي الشرق مع روسيا. وهي عضو في تحالف عسكري تهيمن عليه روسيا يعرف باسم «منظمة اتفاقية الأمن المشترك» الذي يضم روسيا وأرمينيا. ويتهم رئيس بيلاروسيا حلف الناتو بحشد قوات على الحدود الغربية لبيلاروسيا. وعقب مكالمة هاتفية مع لوكاشينكو أعلن الرئيس بوتين أن روسيا ستدعم الحليف في مينسك في إطار الاتفاقات المبرمة. وقد نفى الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبيرغ وجود تلك التحركات العسكرية التي ادعاها لوكاشينكو، الذي أمر الجيش بإجراء مناورات على الحدود الغربية للبلاد.
ويعتقد محللون غربيون في بروكسل أن رئيس بيلاروسيا يحاول افتعال تهديد من الخارج؛ لتشجيع روسيا على التدخل عسكرياً لمصلحته. ويقول غوستاف غريسيل المحلل العسكري المختص في المفوضية الأوروبية: ليس لدى بوتين نية للتدخل عسكرياً في بيلاروسيا ما دامت لا تتعدى الخطوط الحمراء التي تعني التزامها باتفاقيات الوحدة الحكومية والتعاون الاقتصادي والعسكري. ويحذردبلوماسيون من الاتحاد الأوروبي منذ أيام، من منح روسيا أي ذريعة لاتهام الاتحاد بالتدخل في بيلاروسيا.
وفيما يتعلق بالقدرات العسكرية يستطيع الجيش الروسي احتلال بيلاروسيا في غضون أيام على الرغم من عدم وجود قواعد عسكرية كبيرة لروسيا في البلاد؛ لكن الكرملين ليس له اهتمام بهذا النوع من التدخل على الأقل في الوقت الراهن.
وكأي بؤرة ساخنة تقتضي الحذر، يمكن توظيف المناورات بشكل غير مباشر للإعلان عن موقف سياسي؛ لكن الجديد في مناورات هذا العام ارتباطها بمجريات الانتخابات الرئاسية في بيلاروسيا وما يمكن أن يسفر عنه التدخل من قبل الأمريكيين ودول الغرب في ترجيح كفة المعارضة على حساب لوكاشنينكو، وهو ما لا ترضى به موسكو التي لا تتمسك به شخصياً؛ بل تحرص على حماية مصالحها الأمنية والاستراتيجية مهما كان شكل النظام الذي يحكم في مينسك.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"