الجريمة مستمرة في أمريكا

00:58 صباحا
قراءة 3 دقائق

عاطف الغمري

اشتعل لهيب الجريمة في أمريكا، باعتراف حكومة ترامب. وقبل الخوض في تجدد القلق من تفاقم الجريمة، فإنني من واقع معايشتي ومشاهدتي لتلك الظاهرة، أرصد نموذجاً يعتبر مؤشراً على أن الجريمة لها سجل طويل في التاريخ الأمني للولايات المتحدة.
فقد حدث عندما غادر زميل لنا في مكتب الأهرام بواشنطن، مكان عمله في المساء. ولم يكن المكتب في منطقة على أطراف المدينة؛ بل في قلب واشنطن، ويوجد على الناحية الأخرى من المبنى مقر وزارة الخزانة، ولا يبعد عن البيت الأبيض سوى مسافة عشر دقائق سيراً على الأقدام.
في الشارع.. فوجئ زميلنا بشخص يشهر سكيناً في وجهه، ويهدده بالقتل إذا لم يسلمه ما معه من نقود. ولحسن حظه، أن ظهر في الاتجاه القادم من وراء ظهر اللص، ضابط شرطة. وحين لمحه اللص، ابتعد عن زميلنا. عندئذ طلب الزميل من الشرطي أن يقبض على اللص، فرد عليه قائلاً: «كنت سأفعل ذلك، لو أنه أصابك بسلاحه الأبيض. لكنك بخير ولم يصبك ضرر. ولا أرى سبباً للقبض عليه»، حدث ذلك واللص على مسافة قريبة من مكان الواقعة، ولم يكن صعباً على الشرطي إلقاء القبض عليه. وكان هذا مجرد نموذج لتصرفات الشرطة مع الجريمة.
 في تلك الفترة، وما قبلها بسنوات، كنا نعرف كيف أن الجريمة– السرقة، والقتل، والاغتصاب– تحدث في مدن كثيرة منها نيويورك– خاصة في الليل.
وكانت معدلات ارتكاب الجرائم تتغير فتزيد في عهود بعض الرؤساء، وتخف في عهود آخرين. وهذا راجع إلى التشدد أو التراخي في تطبيق القانون.
 ما حدث مؤخراً من انتشار الجريمة مرة واحدة في عهد الرئيس ترامب، وفي ولايات عدة، وإن مدناً أمريكية تشهد زيادة مقلقة للجرائم العنيفة، خاصة جرائم القتل، حسب تعبير بيار بار وزير العدل. في الحال أعلنت إدارة ترامب إرسال تعزيزات من قوات شرطة الأمن الفيدرالي إلى عدد من المدن، في إطار ما وصف ب «عملية لمكافحة الجريمة».
 لكن الشرطة المكلفة بالتصدي للجريمة، مارست سلوكاً هو ذاته أقرب إلى الجريمة، على حد وصف حاكم ولاية أوريجون، بأن ضباط الشرطة الفيدراليون تصرفوا كقوة احتلال، وجلبوا إلى مجتمعنا العنف والصراعات. ورفضوا مساءلتهم عن تصرفاتهم.
ووصلت هذه التصرفات إلى اشتباكات مع متظاهرين يطالبون بمحاسبة الدولة لرجال الشرطة الذين يعتدون على سود أبرياء، ولم تصدر عنهم أية تصرفات إجرامية.
المشكلة سواء في أقوال وزير العدل، أو في سلوك الضباط الذين أوفدتهم إدارة ترامب إلى عدد من الولايات للقضاء على الجريمة، راجعة إلى قصور في القانون ذاته، الذي لا يردع الشرطة عن ارتكاب ممارسات عنيفة ضد السود، ويتحيز لعنف الشرطة، وبالتالي تستمر دائرة استفزاز قطاعات من المجتمع، بما يمكن أن يخلق عنفاً مضاداً.
 والأهم من ذلك في زيادة معدلات الجريمة، ما هو مسجل في تقارير لمؤسسات متخصصة، من أن منظمات الجريمة، استطاعت اختراق بعض أجهزة الشرطة، وهذا أمر كان يحتاج إلى قوانين جديدة تضع حداً لهذه الحالة الخطِرة، التي تزيد من حدوث الجرائم.
ولأن الأسباب متعددة وراء استمرار الجرائم، فإن أهمها القانون ذاته الذي لا يلزم رجل الشرطة بسرعة ردع أي مجرم، طالما بادر بارتكاب الجريمة.
 إذاً، الظاهرة قديمة ومستمرة، وهي ليست وليدة اليوم، فجذورها ممتدة إلى عقود طويلة مضت، منذ تقنين حالات حمل أي فرد للسلاح، حتى ولو كان صبياً صغيراً، أو رجلاً متهوساً، لا ضمان للسيطرة على سلوكياته. صحيح أن قرارات إرسال قوات من الشرطة الفيدرالية إلى مدن وولايات اندلعت فيها الجرائم مرة واحدة، أدت إلى الحد نسبياً من الجريمة هناك، لكن يبقى الحل في إعادة النظر في القوانين التي تحوي ثغرات قد تسمح أحياناً ربما بالحد من الجرائم، لكنها لا تقضي عليها نهائياً. ولذلك تظل نيران الجرائم يتجدد اشتعالها من وقت لآخر.. ومن يدري إلى متى؟

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"