نحو أعمق مبدأ

22:46 مساء
قراءة دقيقتين


شيماء المرزوقي

في خضم التزاحم الحياتي والانشغال الدائم وخلال قيامنا بالمهام والواجبات المناطة بنا، نتعامل مع الكثير من الناس سواء معاملات عابرة لمرة أو مرتين أو تعامل دائم ومتكرر. ووسط كل هذا تظهر خلافات وتتباين وجهات النظر، وفي البعض من الأوقات يحتد النقاش وتزداد الهوة، وقد يملأ الصوت الأرجاء بشكل حاد وقاسٍ، هذا يقع بين وقت وآخر، يقع داخل بيوتنا بين أفراد الأسرة الواحدة، وفي مقار العمل بين الزملاء، وأيضاً في مختلف أوجه ومرافق الحياة الاجتماعية.
الخصام والاختلاف الذي ينتج عنه توتر، وتصاعد الكلمات موضوع معتاد ولعل الجميع سبق أن مروا بتجربة في هذا المجال، لكن الذي لا يحدث من البعض أو الذي قد ينساه البعض في هذا السياق هو وضع الخلاف في مكانه وتركه في ذلك المكان، بمعنى أنه بما أن هناك حتمية للتباين في وجهات النظر، يجب الاستعداد له وفهم آلياته وطريقة التعامل معه، وحصر تداعياته ووقف أي تدهور قد ينتج بسببه. وأقصد التدهور في العلاقات، لأن ما يحدث تبعاً لأي خلاف أو تباين في وجهات النظر، هو التباعد وقطع العلاقات والتوتر والغضب ونحوها من المشاعر المؤذية. وهنا أستحضر مفردة مهمة هي «الاحترام» لأن ما يصّعد بالخلاف نحو القطيعة قد يقف خلفه غياب هذه المفردة، فالشعور بعدم الاحترام هو المحرك بل هو المغذي والوقود.
في عمق مشكلاتنا مع بعضنا بعضاً يكون واضحاً لنا أن الطرف الآخر لا يحترمنا، فلو كان يحمل في قلبه حتى القليل من الاحترام لما وصلنا إلى هذه الحالة من الخصام والمشكلات، هكذا يتم التفكير وهو تفكير آلي واستنتاج عفوي نتبناه دون أي تفكير أو تدقيق، بينما قد تكون الحقيقة أن الطرف الآخر مهني وعملي، وهدفه تصحيح خطأ حسب وجهة نظره، لكنه أخفق في لمس الجانب الثاني المهم المتعلق بالاحترام والتقدير لمن هو أمامه، فلم يعبر عن هذه الجزئية بوضوح. وكما قال الفيلسوف وعالم النفس الأمريكي وليام جيمس: «إن أعمق مبدأ في طبيعة الإنسان هو اللهفة في أن يتم تقديره». من يختلف معك ولا يحترمك لم يذهب، ببساطة، نحو عمق ذلك المبدأ والتعبير عنه، كأن يقول: «إنني أختلف معك، مع أنني أحترمك وأدرك أنك مطلع، واختلافي لا يعني ألا نتعلم ونستفيد من بعضنا البعض».
بمثل هذه الجمل والوضوح في التقدير والاحترام، يمكن تجنب التوتر والحساسية والغضب، وتجنب إنتاج مشكلة أخرى واختلاف أكبر وأعظم.

[email protected]
www.shaimaalmarzooqi.com

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

مؤلفة وكاتبة وناشرة، قدمت لمكتبة الطفل عدة قصص، وفي أدب الكبار أنجزت عدة روايات وقصص قصيرة، ونصوص نثرية. حازت على عدة جوائز أدبية.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"