مسلسل الموت غرقاً

23:20 مساء
قراءة 3 دقائق

نبيل سالم

بين حين وآخر يعود العالم لمتابعة مسلسل الموت المجاني للهاربين من جحيم الحروب والأوضاع الاقتصادية الصعبة في بلدانهم، ولا سيما من القارة الإفريقية، إلى حضن القارة الأوروبية،أملاً في النجاة،أو تحقيق مستقبل أفضل، مسلسل راح ضحيته الآلاف غرقى في مياه البحر المتوسط وسط لا مبالاة مؤسفة من الدول الأوروبية التي تتحدث ليل نهار بالديمقراطية، وحقوق الإنسان، أما آخر فصول هذا المسلسل الدامي فهو انضمام أكثر من مئة من هؤلاء المساكين إلى قائمة الضحايا في غضون اثنتين وسبعين ساعة فقط، ما يكشف في الواقع عن مدى حجم هذه الكوارث الإنسانية وخطورتها، فقد أعلنت منظمة «أطباء بلا حدود» أن «كارثة إنسانية» حصلت في البحر المتوسط راح ضحيتها أكثر من 100 شخص بسبب تحطم ثلاث سفن بشكل منفصل محملة باللاجئين.

وحمّلت المنظمة، الدول الأوروبية المسؤولية، معتبرةً أن هذه الدول «تسببت في عرقلة عمل سفن الإنقاذ عندما عمدت إلى إقفال الموانئ بوجهها «مشيرة إلى أن ست سفن إنقاذ تابعة لمنظمات غير حكومية، محظورة من دخول الموانئ الأوروبية»، وأن «فرقها في ليبيا ساعدت في إنقاذ ثلاث ناجيات بعد إنقلاب قارب خشبي، في حين بقي أكثر من عشرين شخصاً بين قتيل ومفقود في مياه البحر، الذي شهد مئات الحوادث المشابهة».

وفي تعقيبها على هذه المأساة الإنسانية الجديدة قالت مستشارة الشؤون الإنسانية في منظمة أطباء بلا حدود حسيبة حاج صحراوي: «كفى النحيب الفارغ، فمسؤولية هذه الوفيات تقع بشكل مباشر على عاتق الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي».

ورأت صحراوي أن ما جرى هو«النتيجة الملموسة والحتمية لسياساتها المتمثلة في عدم المساعدة والعرقلة لسفن الإنقاذ التابعة للمنظمات غير الحكومية».

ولو توقفنا عند تطورات هذه المآسي الإنسانية التي باتت مزمنة مع الأسف، لوجدنا أن ما يقرب من سبعمئة شخص لقوا حتفهم في العام الجاري فقط، خلال محاولتهم الهروب من ليبيا عبر البحر الأبيض المتوسط، فضلاً عن الظروف غير الإنسانية التي يعانيها اللاجئون حتى عند دخولهم الدول الأوروبية، أو في مراكز الاحتجاز في ليبيا، وهو ما ذهب إليه ويليام هينيكين، مدير برنامج أطباء بلا حدود في ليبيا، الذي أشار إلى أن الاعتقال التعسفي ليس سوى جزء صغير من دائرة العنف المميتة التي يعاني منها حالياً الآلاف من المستضعفين»، بحسب تعبيره.

ويضاف إلى هذه المعاناة التي يقع في براثنها اللاجئون على اختلاف جنسياتهم، معاناة أخرى من نوع آخر وهي ظاهرة التمييز العنصري، التي باتت ظاهرة بشكل أكبر بسبب تنامي الأفكار اليمينية المتطرفة في أوروبا، وتضخم المشاعر التي يرى أصحابها في اللاجئين «جماعات خارجية مشبوهة» ويناصبونها العداء انطلاقاً من منطق ما يسمونه «الدفاع عن الشعب الأصلي».

وهكذا نرى أن مخاطر الموت غرقاً في مياه المتوسط، ليست إلا بداية لسلسلة من المعاناة التي يعيشها اللاجئون في الدول الأوروبية، ذلك أنه رغم الأمان النسبي الذي قد يحصل عليه أغلب المهاجرين في هذه الدول، إلا أن هناك الكثير من المتاعب، والأزمات التي يغرق فيها هؤلاء،بسبب غياب التعامل الإنساني معهم في الكثير من الحالات.

ونستطيع القول إن الدول الأوروبية تتحمل مسؤولية أخلاقية تجاه هؤلاء اللاجئين لا سيما أنها رغم استضافتها لهم إنما تقوم باستثمارهم أيضاً، وهو استثمار يعود بالفائدة على اللاجئين والدول التي تستضيفهم في الوقت عينه، بحيث يمكنهم المساهمة بدورهم في هذه الدول التي تستضيفهم، وهو ما أكدته الأمم المتحدة في قرار تاريخي، عندما توصلت في عام 2018 إلى اتفاق على إطار دولي جديد يُعرف ب «الميثاق العالمي بشأن اللاجئين» والذي من شأنه أن يغير طريقة استجابة العالم للنزوح القسري وأزمات اللجوء، بحيث يعود بالنفع على اللاجئين والمجتمعات المستضيفة لهم على حد سواء.

أخيراً يمكن القول إن غرق العشرات من اللاجئين مؤخراً في مسلسل الموت هذا يجب أن يفتح عيون العالم،على هذه المأساة الإنسانية التي تتجسد بين حين وآخر في موت الكثير منهم على طرقات المنافي واللجوء القسري، أو ما يعانونه من مصاعب حتى بعد وصولهم إلى الدول الأوروبية، وهي مسؤولية تقع على عاتق المجتمع الدولي كله.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"