اللاجئون والتحديات الجديدة

23:21 مساء
قراءة 3 دقائق

نبيل سالم

عندما تضع الحروب أوزارها، عادة ما تنتج عنها مشكلات اجتماعية عسيرة ومتشابكة، قد تبدو في نتائجها الإنسانية أصعب وأخطر من الحروب ذاتها، ومن هذه النتائج مشكلة اللاجئين الفارين من جحيم الموت الذي تحمله الحروب والصراعات على اختلافها.

والحقيقة أن هذا هو حال اللاجئين بعد ما سمي ب«الربيع العربي»، حيث خلفت الصراعات المسلحة التي تدحرجت في أكثر من اتجاه، تاركة موجة كبيرة من اللاجئين الهاربين من الموت، ولا سيما الذين قصدوا الدول الغربية، والذين تجاوزت أعدادهم الملايين، ومع أن وصول هؤلاء المهاجرين إلى المنافي البعيدة، ساعد إلى حد ما، في حصولهم على أماكن آمنة بعكس الظروف القاهرة التي عاشوها في بلادهم، إلا أن أحداً لا يستطيع أن ينكر أن هؤلاء المهاجرين واجهوا الكثير من التحديات والعقبات الكبيرة، وأبرزها مشكلة الاندماج في المجتمعات الجديدة التي رأوا أنفسهم فيها غرباء، خاصة في ظل تنامي المشاعر الشعبوية اليمينية المتطرفة في الغرب، بشكل بات مع الأسف يحمل الكثير من المخاطر، نظراً للاختلاف الثقافي بين هؤلاء المهاجرين، والمجتمعات المضيفة.

ولو تابعنا ما ينشر بين حين وآخر من قصص وأخبار عن أحوال اللاجئين في أوروبا، على اختلاف جنسياتهم، لوجدنا أن هناك معاناة من نوع آخر، لا يستهان بها تواجه هؤلاء اللاجئين الحالمين بحياة أفضل، رغم أن ما يقوم به هؤلاء اللاجئين من أنشطة يسهم في تحسين الأوضاع في الدول المضيفة وتنشيط اقتصاداتها أيضاً، ففي دراسة أجراها فريق من الباحثين في علم الاقتصاد من جامعتي «كليرمون فيران» و«باريس نانتير» الفرنسيتين في عام 2018، تؤكد أن اندماج اللاجئين داخل مجتمعاتهم الجديدة يساعد على تحسين الأوضاع الاقتصادية للبلدان الأوروبية التي يلجأون إليها.

وبينت النتائج التي انتهت إليها الدراسة أنه «من غير المرجح أن تشكل أزمة الهجرة المستمرة عبئاً على الدول الأوروبية، بل إن العكس هو الصحيح؛ إذ قد تمثل فرصة اقتصادية إيجابية لتلك المجتمعات من خلال الاستفادة بطاقات جديدة ومتنوعة»، موضحةً أن «استيعاب الطاقات الجديدة ساعد على زيادة نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.32% وانخفاض معدل البطالة بنحو 0.14% بعد عامين فقط من لجوء الشخص إلى موطنه الجديد».

ويتفق ما توصل إليه الباحثون مع ما ينشر في السويد بأن ارتفاع أعداد اللاجئين فيها لم يعرِّض النظام الاقتصادي السويدي للانهيار، وأن البطالة لدى الشباب انخفضت انخفاضاً ملحوظاً لتبقى في أقل مستوى لها على مدار 13 عاماً، وأن السويد بحاجة إلى المهاجرين لتعويض الانخفاض في أعداد المواليد لديها، على اعتبار أن ذلك من شأنه توفير طاقات وقدرات بشرية جديدة، لكن هذه الدراسات التي تشير بإيجابية إلى اللاجئين لا تلغي أن هؤلاء يواجهون تحديات من نوع آخر، لا سيما مع تزايد القلق من أنشطة التيارات والأحزاب اليمينية المتطرفة، التي تدعو صراحة إلى إعادة اللاجئين إلى بلدانهم، والتي وصلت في أكثر من مرة إلى الاعتداء عليهم، فضلاً عن مصاعب الاندماج في المجتمع الغربي بالنسبة للكثير منهم بسبب الاختلاف الكبير بين الثقافات رغم نجاح البعض في تكوين أعمال والقيام بأنشطة تجارية ناجحة.

زد على ذلك أن بعض الاختلافات الكبيرة في الثقافة الغربية والثقافة التي يحملها اللاجئون، انعكست سلباً على اللاجئين، حيث تشير دراسة وضعها الأكاديمي أحمد جاسم الحسين، إلى أن 25% من العائلات السورية في هولندا على سبيل المثال، شهدت حالات طلاق خلال السنوات الست الأخيرة، فيما يفكر 25% منهم بالخطوة نفسها. يقول الحسين إن هذه المجتمعات لا تريد للعائلة أن تظل كقوة اجتماعية، ليسهل للدولة تمرير القوانين والأنظمة التي تريدها، والعوامل الاجتماعية والدينية والفكرية والاقتصادية، التي كانت تسند بقاء الأسر المهاجرة لم تعد موجودة، لافتاً إلى أهمية التركيز على النجاحات، لخلق بيئة مشجّعة للاجئين الجدد، وتقديم صورة للمواطن الأوروبي تليق بهم.

يضاف إلى ذلك الآثار النفسية التي قد تتركها قضية اللجوء، وهو ما ذهبت إليه العديد من الدراسات نظراً لتفاوت البيئات والثقافات والهويات، وعلى الرغم من أن الكثير يمكن أن يقال في معاناة اللاجئين في الغرب، إلا أن ما يجب التذكير به دائماً هو ضرورة البحث الجدي في السبل الكفيلة بمساعدة اللاجئين على الاندماج في المجتمعات الجديدة، أو مساعدتهم على العودة إلى بلدانهم، خاصة في ظل موجة الكراهية والعنصرية التي تجتاح الكثير من الدول الأوروبية مؤخراً.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"