لبنان والإدارة الأمريكية الديمقراطية

00:10 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. خليل حسين

يرقد لبنان حالياً في عين العاصفة وسط ظروف داخلية وإقليمية ودولية فيها كل المعطيات والوقائع التي تشي بغيوم سوداء تتلبد فوقه، وهي ظروف خطرة وصفها كثيرون، بأنها تهدد الكيان ووجوده؛ وبصرف النظر عن دقة التوصيف من عدمه، ثمة وقائع ومعطيات لا تقل خطورة عن ظروف عصيبة مرَّ بها سابقاً، وتمكّن من تجاوزها والخروج منها بخسائر مختلفة، فيما ظروف اليوم مختلفة وتشكل تحدياً بالغ الخطورة على مستقبله. فهل ستشكل هذه الصورة جزءاً من سياسة الإدارة الديمقراطية تجاه لبنان أم ستكون مختلفة عن سابقتها الجمهورية؟

في المبدأ يخضع لبنان كغيره من الكيانات في موقع محدد في سلم الأولويات الأمريكية، ويختلف هذا الموقع باختلاف الدور الذي يلعبه أو بشكل أدق الدور الذي يُرسم له، ولبنان الذي سجّل دوراً وموقعاً محورياً في سياساته الخارجية إبان حقبة الخمسينات والستينات حتى اندلاع الحرب الأهلية منتصف السبعينات، بعد إخراج فرنسا من الشرق الأوسط في العام 1956، ووضع لبنان في الدائرة المركزية لسياسات أمريكا الشرق أوسطية، حيث شكلت العاصمة بيروت القيادة الدبلوماسية للسفارات الأمريكية في الشرق الأوسط.

فقد لبنان دوره منذ ثمانينات القرن الماضي ولم يلاحظ أي تمييز له في كلتا الإدارتين الجمهورية أو الديمقراطية، وبات جزءاً من ملفات المنطقة الساخنة، بل في أحيان كثيرة ورقة تُستثمر في إدارة أزمات إقليمية كبرى، وقد تعاقب كل من الديمقراطيين والجمهوريين على إدارة هذا الوضع، سيما وأن لبنان لا يمتلك مقومات التأثير لجهة الرفض أو القبول، واليوم ينسحب الأمر عينه مع الإدارة الديمقراطية كما يبدو، بل ثمة مؤشرات تشي بمزيد من الضغوط التي يمكن أن تصل لمستويات أمنية أو عسكرية كما يُشاع.

في الفترة السابقة وبعد انفجار مرفأ بيروت، سلّمت واشنطن نسبياً إدارة الأزمة اللبنانية لباريس، لكن في ظل مراقبة شديدة، وللعديد من الظروف اللبنانية وغيرها لم تتمكن باريس من إنجاز شيء ما، ما أعاد الملف برمته على ما يبدو للإدارة الأمريكية وهو أمر مؤكد ومحسوم في الأساس لكن هذه الإعادة لا تعني بالضرورة، أن ثمة حلولاً سحرية أمريكية للبنان، بل لا يعدو كونه إعادة ترتيب وتموضع، بمعنى أن الوضع اللبناني بمختلف ملفاته سيظل جزءاً وتفصيلاً من ملفات المنطقة، ومرتبطاً فيها لجهة العقد أو الحل، وهو سياق متعارف ومعتاد عليه لبنانياً، وما يعزز ذلك السياق عدم قدرة باريس أيضاً على إحداث متغيرات ذات وزن في طبيعة دورها في المنطقة وبخاصة تجاه لبنان.

سيتسلم الديمقراطيون الإدارة الأمريكية بملفات بنى عليها وأسسها الجمهوريون خلال ولاية الرئيس دونالد ترامب، والتي حققت خروقاً لافتة في الشرق الأوسط، وهي ملفات وسياسات لا يختلف عليها في الأساس كلا الحزبين، بل إن التدقيق يظهر تطابقاً واضحاً في الأهداف والوسائل التي تتبعها السياسة الخارجية لتنفيذ الاستراتيجيات الكبرى في المنطقة. وعليه لن يكون لبنان جزءاً مغايراً أو مختلفاً عن سياسات الإدارة الجمهورية.

ثمة شائعة غير دقيقة مفادها أن الجمهوريين أكثر تشدداً في التعاطي مع المصالح الأمريكية الإسرائيلية الاستراتيجية في المنطقة من الديمقراطيين، إلا أن الأمر مختلف في الكثير من التفاصيل، وغالباً ما تتشدد الإدارة الديمقراطية في معالجاتها للكثير من الملفات، وبالتالي سيشهد لبنان ضغوطاً كبيرة في ملف التفاوض مع إسرائيل حول ترسيم الحدود البحرية التي شهدت تعقيدات كثيرة مؤخراً ومن الممكن أن تطيح بها.

ربما لم يمر لبنان يوماً بأزمات كالتي يمر بها حالياً، وهي شديدة الخطورة، وسط ظروف إقليمية أشد تعقيداً، في وقت تتقاطع وتتشابك مصالح كثيرة فيه وحوله، ما يجعله في عين العاصفة التي إذا ما انطلقت سيكون لبنان أول ضحاياها، فيما إمكانات الحلول غير متوفرة نتيجة أزمة الحكم والحكومة والانقسام العامودي داخلياً، وسط انهيار اقتصادي واجتماعي غير مسبوقين.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه دولة في القانون الدولي .. رئيس قسم العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية واستاذ القانون الدولي والدبلوماسي فيها .. له أكثر من 40 مؤلفاً ومئات المقالات والدراسات البحثية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"