عادي

بكتيريا الأمعاء وفـــيتامين «د».. رابــط خفــي ونتائــج متباينــة

21:01 مساء
قراءة 5 دقائق
1

يرتبط نقص فيتامين «د» بالسرطان وأمراض القلب والأوعية الدموية وهشاشة العظام، ولكن التجارب السريرية على مكملات فيتامين الشمس، أسفرت عن نتائج متباينة. وقد تساعدنا دراسة جديدة خلُصت إلى وجود روابط بين الصيغة النشطة للفيتامين وبكتيريا الأمعاء، في تفسير السبب.

من المعروف أن فيتامين «د» ضروري لتعزيز المناعة والحفاظ على صحة العظام والأسنان، ووجدت العديد من الدراسات أن انخفاض مستوياته في الدم يرتبط بمجموعة واسعة من الأمراض بما في ذلك السرطان والسكري، وقد ألمحت بعض الدراسات الأخرى إلى أن تراجع مستويات الفيتامين على ارتباط بالإصابات الحادة بفيروس «كوفيد-19»، إلا أن هذه النتائج ليست حاسمة.
وعلى الرغم من هذه الارتباطات، فإن الأدلة على فوائد مكملات فيتامين «د» للوقاية من الأمراض بالنسبة للأشخاص الأصحاء كانت متباينة. وعلى سبيل المثال، لم تجد إحدى التجارب السريرية التي أجريت على نطاق واسع أي دليل على أن تناول مكمل فيتامين «د» يقي من أمراض القلب والأوعية الدموية والسرطان لدى كبار السن، كما لم تجد دراسة أخرى أي دليل على أن تناول هذا المكمل الغذائي يحسّن من صحة العظام. وهذا الافتقار لوجود فوائد صحية لمكملات فيتامين الشمس، حيّر الباحثين الطبيين.
ويبدو أن علماء من جامعة كاليفورنيا في سان دييجو قد اكتشفوا تفسيراً محتملاً لذلك، وهذا ما تظهره نتائج دراستهم المنشورة في مجلة «نيتشر كوميونيكيشنز». وتشير هذه الورقة البحثية إلى أن بكتيريا الأمعاء قد تلعب دوراً حيوياً في تحويل الصيغة الخاملة لفيتامين «د» إلى شكله النشط والمعزز للصحة البدنية.
مخزونات فيتامين «د» الخاملة
وعندما يرغب المتخصصون في مجال الرعاية الصحية والباحثون الطبيون في تحديد مستويات فيتامين الشمس لدى الفرد، فإنهم يقومون بقياس مستويات المصل غير النشط، لأنه يعكس مقدار فيتامين «د» الذي يخزنه الجسم.
ومع ذلك، قد يكون العامل الحاسم هو كيفية استقلاب الفيتامين بدلاً من مقدار تخزينه.
وعند قياس مقدار فيتامين «د» النشط في الدم لدى الذكور الأكبر سناً، وجد باحثو جامعة كاليفورنيا في سان دييجو أن مستوياته مرتبطة بتنوع مجتمع البكتيريا التي تعيش في أمعائهم أو ما يعرف بـميكروبيوم الأمعاء «Gut Microbiome». وترتبط مستويات فيتامين الشمس النشط أيضاً بعدد البكتيريا الصديقة في أمعائهم.
وعلى النقيض من ذلك، لم يكن هنالك أي ارتباط قوي بين الصيغة غير النشطة للفيتامين والتنوع البكتيري أو البكتيريا الصديقة.
وتقول كبيرة مؤلفي الدراسة، الدكتورة ديبورا كادو، مديرة عيادة هشاشة العظام في جامعة كاليفورنيا في سان دييجو: «لقد فوجئنا عندما اكتشفنا أن تنوع الميكروبيوم في الأمعاء يرتبط ارتباطاً وثيقاً بفيتامين د النشط، ولكن ليس على شكله غير النشط، ويعتقد أن زيادة تنوع ميكروبيوم الأمعاء يرتبط بصحة أفضل بشكل عام».
التعرض لأشعة الشمس
وبقي الارتباط بين التنوع الميكروبي وفيتامين «د» النشط واضحاً، حتى بعد تعديل العوامل المعروفة لتحديد تنوع البكتيريا التي تعيش في الأمعاء. وشمل ذلك عمر المشاركين، والمكان الذي يعيشون فيه في الولايات المتحدة، وخلفيتهم العرقية واستخدامهم للمضادات الحيوية. وفي الواقع، ارتبطت مستويات الفيتامين النشط لدى المرضى بقوة أكبر بكثير مع تنوع الميكروبيوم، بالمقارنة مع العوامل الأخرى.
وهذا أمر مثير للدهشة؛ حيث إن الأشخاص الذين يعيشون في أماكن مشمسة مثل كاليفورنيا، يتمتعون بقدرة على إنتاج المزيد من فيتامين «د» من خلال تأثير الأشعة فوق البنفسجية على بشرتهم.
وتقول الدكتورة كادو: «يبدو أن مقدار فيتامين د الذي تحصل عليه من أشعة الشمس أو المكملات الغذائية، لا يهم كثيراً، كما لا يهم أيضاً مقدار الفيتامين الذي يخزنه جسمك»، مضيفة: «ما يهم في واقع الأمر هو مدى قدرة جسمك على تحويله إلى فيتامين نشط عبر عملية الأيض، وربما هذا هو الأمر الذي تحتاج التجارب السريرية قياسه من أجل الحصول على صورة أكثر دقة عن دور الفيتامين في تعزيز الصحة العامة».
ويقول الباحثون: إن هنالك حاجة لإجراء المزيد من الدراسات للتحقيق في دور البكتيريا في عملية استقلاب فيتامين «د»، مشيرين إلى أن التغيّر في تركيبة الميكروبات الهضمية لدى المرضى، يمكن أن يزيد من فاعلية العلاجات الحالية لتحسين كثافة العظام، وربما تؤدي إلى نتائج صحية إيجابية أخرى.
دراسة هشاشة العظام
حلّل الفريق عينات من البراز والدم لـ567 رجلاً يعيشون في ست مدن أمريكية شاركوا في دراسة تسمى «الكسور الناتجة عن هشاشة العظام لدى الرجال». وكان متوسط عمر المشاركين 84 عاماً، وأفاد معظمهم بأنهم يتمتعون بصحة جيدة أو ممتازة.
ولتحديد وقياس مستويات البكتيريا في عينات البراز، قام الباحثون بترتيب نسخ من الجين البكتيري الذي يحدد الأنواع المختلفة لهذه البكتيريا، كما قاموا بقياس كميات 3 مستقلبات من فيتامين «د» وهي السلائف والفيتامين النشط ومنتج التحلل في عينات الدم.
وعند الإبلاغ عن نتائجهم، قال الباحثون: إن الارتباط الكبير بين زيادة الصيغة النشطة من فيتامين «د» وزيادة التنوع الميكروبي في البراز، يدعم فكرة أن زيادة التنوع الميكروبي يعكس حالة صحية جيدة.
ولم يقتصر الأمر على أن الذكور الذين لديهم مستويات عالية من فيتامين «د» النشط في دمائهم، كان لديهم أكبر تنوع في الميكروبيوم؛ بل إن أمعاءهم كانت تحتوي أيضاً على أنواع بكتيرية صديقة تنتج حمض البوتيريك. ويحتوي هذا الحمض الدهني قصير السلسلة، الذي تنتجه بعض أنواع البكتيريا في القولون عند هضم الألياف، على مجموعة واسعة من الفوائد الصحية. وتشير الأبحاث إلى أن البوتيريك يساعد في الوقاية من سرطان القولون وخفض نسبة الكوليسترول في الدم ومكافحة مقاومة الأنسولين.

نتائج غير مكتملة
يؤكد الباحثون أن دراستهم لم تكن قادرة على تحديد ما إذا كانت المستويات العالية من فيتامين «د» النشط تسمح للبكتيريا المنتجة لـ«البوتيريك» بالتكاثر، أو ما إذا كانت هذه البكتيريا تعزز تحويل الفيتامين إلى شكله النشط. وعلى نفس المنوال، لم تتمكن الدراسة من إثبات أن وجود ميكروبيوم أكثر تنوعاً في الأمعاء يؤدي إلى تحسين التمثيل الغذائي لفيتامين «د»، فالدراسة وجدت فقط علاقة بين الاثنين. ومن القيود الأخرى للدراسة، هي أنها شملت الذكور من البشرة البيضاء الأكبر سناً فقط.
إضافة إلى ذلك، أفاد نحو 75% من المشاركين في الدراسة أنهم يتناولون شكلاً من أشكال مكملات فيتامين «د»، وكان هنالك 7% فقط من المشاركين الذين استوفوا التعريفي القياسي لنقص فيتامين الشمس. لذلك، قد لا تكون نتائج الدراسة صحيحة بالنسبة للسكان الآخرين، أو للأشخاص الذين لا يتناولون المكملات أو لأولئك الذين يصنفون على أنهم يعانون نقضاً في الفيتامين.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"