عقد عربي أسود

00:22 صباحا
قراءة 3 دقائق

نبيل سالم

قبل أيام صادف مرور الذكرى العاشرة لما سمي ب«الربيع العربي» واندلاع الحراك الشعبي في أكثر من بلد عربي، وما صاحبه من اضطرابات تحولت إلى صراعات مسلحة لا تزال تداعياتها مستمرة.

ففي السابع عشر من ديسمبر عام 2011 أقدم الشاب التونسي محمد البوعزيزي على إضرام النار في جسده أمام مقر ولاية سيدي بوزيد احتجاجاً على مصادرة السلطات البلدية في المدينة عربة كان يبيع عليها الخضار والفواكه من أجل كسب الرزق، واحتجاجاً منه أيضاً على رفض السلطات البلدية قبول شكوى أراد تقديمها في حق شرطية تونسية صفعته أمام الملأ. هذه الحادثة فجرت موجة غير مسبوقة من الاحتجاجات الشعبية ضد حكم الرئيس التونسي الراحل زين العابدين بن علي، انتهت إلى الإطاحة به، لتنتقل موجة الاحتجاجات الشعبية إلى أكثر من بلد عربي، بعد أن تكررت مأساة البوعزيزي بإحراق العشرات من الشباب العرب أنفسهم لأسباب اجتماعية مشابهة.

 هذه الحادثة التي وقعت في تونس كانت في الواقع شرارة البداية لحراك شعبي عربي واسع طال العديد من الدول العربية؛ حيث امتد الحراك الشعبي إلى ليبيا ومصر وسوريا واليمن والجزائر، سقط في بدايته عشرات الضحايا، قبل أن تتحول الدول العربية إلى ساحات صراعات مسلحة أحرقت كل ما يأتي في طريقها.

 في البداية وبعد انطلاق الشرارة الأولى لهذا الحراك الشعبي العربي، انقسم الشارع العربي إلى رأيين مختلفين، أحدهما رأى في الحراك الشعبي العربي ثورات اجتماعية للمطالبة بالحرية والكرامة وحقوق الإنسان، فيما رأى أصحاب الرأي الآخر أن موجات الحراك العربي هذه ليست سوى مؤامرة خارجية تسعى إلى تدمير البلاد العربية، وإفساح المجال للتدخل الأجنبي في شؤون الدول العربية، لأسباب استعمارية.

والحقيقة أننا لو تمعنا فيما جرى ويجري حتى الآن في الدول العربية التي طالتها رياح ما سمي ب«الربيع العربي» سنجد من دون عناء أن الرأيين صائبين، فما جرى يعد صرخة عفوية ضد الأوضاع الاجتماعية والسياسية التي يعيشها الناس في هذه الدول، لاسيما مع ارتفاع معدلات الفقر والبطالة، وبالتالي فإنه تعبير سلمي مشروع، تفرضه الأوضاع الاجتماعية الصعبة ومشاعر الشباب العربي المتأججة ضد الظلم، وغياب تكافؤ الفرص الضروري لبناء مستقبل الملايين من الشباب العربي.

 في المقابل لا يمكننا بعد كل هذه النتائج المريعة التي خلفها «الربيع العربي»، وانحداره إلى مستويات خطِرة، أن ننسف فكرة وجود المؤامرة الخارجية، خاصة أن أحد أهم راكبي موجة الاحتجاجات الشعبية هذه كانت حركة «الإخوان المسلمين» المعروفة بارتباطاتها الخارجية غير النظيفة، والضالعة في الكثير من المؤامرات التي استهدفت المنطقة العربية تحت يافطات دينية، الأمر الذي أدى في نهاية المطاف إلى إغراق الدول العربية في حروب أهلية وصراعات دموية، أدت إلى مئات الآلاف من الضحايا، إضافة إلى ملايين المشردين، الذين تغص بهم الدول الأوروبية وغيرها من الدول، على مساحة الجغرافيا العالمية كلها.

 وبقراءة متأنية لأسباب ونتائج «الربيع العربي» أو ما يمكن تسميته ب «تسونامي العرب» يمكننا القول إن ما جرى هو اختطاف حقيقي لثورات اجتماعية ، وتحويلها إلى مرض عضال عربي، بكل ما في الكلمة من معنى.

 والحقيقة أن تجربة الحراك الشعبي العربي هذه قد تحتاج إلى الكثير من الأبحاث والدراسات لفهم الأسباب الحقيقية التي أدت إلى انحراف الثورات العربية عن مساراتها، ومع أن هذه العجالة قد لا تكفي لذلك إلا أن أهم ما يستنتج مما جرى هو أن هذه الثورات العفوية لم تكن تمتلك الرؤية الواضحة، ولا القيادات الواعية، الأمر الذي أوقعها في أيدي منظمات إرهابية تعمل من أجل تنفيذ أجندات خارجية استعمارية، وأن الثورة التي لا تمتلك رؤية سياسية واجتماعية واضحة، سرعان ما تتحول إلى ما يشبه الثور الهائج.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"