حقوق الإنسان والتقارير الدولية

00:26 صباحا
قراءة 4 دقائق

د.إدريس لكريني

تجد قضية حقوق الإنسان أساسها في المقتضيات الدستورية والتشريعية الداخلية للدول، كما ترتبط ارتباطاً أساسياً ووثيقاً بالقانون الدولي العام، بما يجعلها تنطوي على أبعاد عالمية أيضاً، فهي مجموعة من القواعد القانونية التي تتوخّى حماية الحقوق والحريات الفردية والجماعية دون تمييز، في مواجهة تعسّف وتجاوز الدول والأفراد والجماعات، وتسعى إلى توفير مناخ إنساني ملائم للعيش الكريم، وإلى تطوير شخصية الفرد.

  ومع تطور المكانة الدولية للفرد، تعززت الحماية الوطنية والإقليمية والدولية لحقوق الإنسان، من خلال التشريعات الداخلية، والقوانين والمواثيق الدولية واهتمامات الأمم المتحدة.

  أضحت آلية التقارير الدولية، ضمن الأساليب المهمة التي يتم الاعتماد عليها في الإشراف والمراقبة فيما يتعلق باحترام الدول لهذه الحقوق، وهو ما تؤكد عليه الكثير من المعاهدات والاتفاقيات الدولية ذات الصلة، حيث تتعهّد الدول بشكل إرادي بتقديم تقارير مواكبة في هذا الخصوص.

 تنطوي التقارير الدولية المتصلة بحقوق الإنسان على أهمية كبرى على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية، وغالباً ما تنجزها هيئات متخصصة بالاستعانة بخبراء، فيما تضع الدول آليات وطنية مستقلة أو تقوم على التنسيق بين مختلف الوزارات، تدعم إعداد التقارير وتنفيذ توصيات المنظمات وهيئات المعاهدات الدولية في هذا الصدد.

  تتضمن التقارير معلومات أساسية بصدد عدد من القضايا والمواضيع التي تكشف واقع حقوق الإنسان في مناطق مختلفة من العالم، ما يجعل منها آلية للتواصل والمراقبة في هذا الشأن. وثمّة أنواع كثيرة منها، فهناك تلك التي تقدّمها الدول إلى الهيئات والمنظمات الدولية ذات الاختصاص، وهناك التقارير التي تصدر عن المنظمات أو الدول بشأن أوضاع حقوق الإنسان في عدد من المناطق، وهناك من يصنفها أيضا إلى تقارير أولية، تستعرض بشكل شامل الأوضاع القانونية والإدارية للدولة الطرف في اتفاقيات حقوق الإنسان، ومدى توافقها مع التزاماتها الدولية، وإلى تقارير دورية، تهدف إلى إرساء نوع من الرقابة المنتظمة ورصد مستوى التقدم الحاصل في هذا المجال، وأخرى إضافية، يطلب إنجازها من قبل اللجان المعنية المحدثة بموجب الاتفاقيات والمنظمات الدولية، خلال ظروف وأحداث خاصة.

  وهناك أيضاً تصنيف آخر من حيث النطاق الجغرافي، وهو يقوم على التمييز بين التقارير الوطنية التي تنجزها هيئات داخلية وتوجّه نحو مصالح الدول من هيئات أو مؤسسات حكومية بناء على طلب أو بشكل تلقائي، من جهة، والتقارير الخارجية المرسلة إلى هيئة المعاهدات الدولية، أو إلى منظمة الأمم المتحدة من جهة أخرى.

  لا تمثل هذه التقارير إجراء يعكس التزام الدول بحماية حقوق الإنسان فقط، بل هي آلية للرصد والمراقبة لاحترام المعايير الدولية في أوساط الدول، وللتأكد من التطوّر أو التراجع الحاصلين في هذا المجال، من خلال تنوير الرأي العام بمستجدات وأوضاع حقوق الإنسان، بغية تجويدها.

   وتنطوي هذه التقارير على أهمية كبرى، فهي تشكّل آلية فعالية لقياس ومراقبة مدى احترام حقوق الإنسان، وتخلق نوعاً من المنافسة بين الدول في هذا الشأن، كما لا تخفى انعكاساتها الإيجابية فيما يتعلّق بتطوير التشريعات والسياسات العمومية في هذا المجال، أو على مستوى ترسيخ ثقافة احترام الحقوق والحريات، والوقوف على المشاكل والاختلالات القائمة في أفق تجاوزها مستقبلاً.

   تسمح هذه التقارير أيضا بترسيخ عالمية حقوق الإنسان، وإعمال قدر من المواكبة والمراقبة للسياسات الحكومية المتّخذة في المجال الحقوقي، ودفع الدول إلى التعهد بالتزاماتها بموجب الاتفاقات الدولية، والتفاعل مع المرافعات والمقترحات التي يطرحها الفقهاء والباحثون وفعاليات المجتمع المدني في هذا السياق، في أفق إرساء سياسات حقوقية مبنية على خطط استراتيجية.

      ينبغي أن تخضع التقارير إلى مجموعة من المواصفات الموضوعية والشكلية التي تدعم مصداقيتها وراهنيتها، سواء على مستوى توفير المناخ اللازم لإعدادها، واعتماد قدر من التشاركية والانفتاح في إعدادها، وتوخّي الوضوح والدقة والتنظيم والشمولية وتحديد المفاهيم في طرح المعلومات والمعطيات المتضمنة فيها، وتجنب المصادر غير الموثوقة، واعتماد الموضوعية في طرح الجوانب الإيجابية المكتسبة.

  رغم أن هذه التقارير لا تقدم سوى توصيات لا ترقى إلى قرارات ملزمة في مواجهة الدول باعتبارها صاحبة السيادة، فإنها تنطوي مع ذلك على قدر كبير من الفعالية ضمن الآليات الدولية لحماية حقوق الإنسان، بالنظر إلى دورها في فضح الخروقات وتقييم أداء الدول في هذا الشأن، بالشكل الذي ينعكس على صورة الدول سلبا أو إيجابا على الصعيد العالمي.

  لا تخلو تطبيقات هذه الآلية من صعوبات وتحديات، ففي الوقت الذي تعبّر فيه بعض المنظمات عن قلقها إزاء عدم تعاون بعض الدول بشكل كاف على سبيل إرساء تقارير موضوعية وذات مصداقية، أو على مستوى متابعة الملاحظات والتوصيات المتعلقة بها، لا تخفي فيه دول أخرى قلقها إزاء استخدام هذه التقارير كسلاح في مواجهة الدول الضعيفة دون مثيلاتها من الدول القوية رغم تسجيل خروقات وانتهاكات خطيرة في هذا الشأن.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​باحث أكاديمي من المغرب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"