التنافس العالمي على الثورة الرقمية

00:40 صباحا
قراءة 3 دقائق

محمد خليفة

يعيش العالم، في الآونة الأخيرة، في مرحلة الحداثة الكونية، والتي تتمحور حول القصة الأعظم في تاريخ الفكر البشري، وهي الاكتشافات العلمية القادرة على التحكم في مسيرة الإنسانية وأقدارها، وتعميق التوجهات النسبية للحداثة إلى مستوى يغري بالامتلاك الحصري للطبيعة والنظام الطبيعي القائم على القوانين العلمية، ومفهوم الخير العام الكوني الذي يجسد سعي الإنسانية المشترك إلى الحق والخير، وتغليب المكون العقلي فيها.

 وقد أثبتت وسائل التواصل نجاحها في امتداد التواصل الإنساني بين كافة البشر. وشكَّل العمل عن بعد تجربة متميزة، والتي باتت تعد موادها وتغذي منصاتها الرقمية على مدار الساعة، وتم استخدام هذه التقنية كبديل عن الاجتماعات داخل الغرف المغلقة، ما أسهم في التعاطي السريع مع متطلبات الأحداث العالمية، وحل الكثير من المشاكل العالقة.

 إن التحولات التي اجتاحت حياة البشر بين يوم وليلة أو بين ساعة وثانية، كسرت جدار الصمت، وأزاحت الظلمة التي خيّمت على البشرية بين عشية وضحاها في عصر الحداثة العلمية بزمن الثورة الرقمية، ما أتيح لسكان الأرض أن يشعروا بفقدان القدرة على التواصل في حقبة فريدة ودقيقة، لتختلط أوراق الكون كله، وتكتشف عبثية التواصل وهشاشته، وتبدو الحياة موقوفة تماماً، على الإمبراطورية الأمريكية المتحكمة بمقدرات العالم الرقمية والتكنولوجية.

 ففي يوم الاثنين 14 الشهر الماضي حدث انقطاع بالكهرباء في الولايات المتحدة، ما أدى إلى توقف خدمات جوجل ويوتيوب ومختلف مواقع التواصل في دول العالم، ورغم أن الانقطاع لم يدم سوى القليل من الوقت، فإنه كشف ثغرة مهمة للغاية وهي أن شبكة الاتصال الدولي غير آمنة، وأن حسابات ومعلومات المتعاملين مع جوجل وغيرها من الشركات المزودة للخدمة قد تتعرض في لحظة واحدة إلى الضياع، وأيضاً فإن تركز الإنترنت والاتصال الدولي في الولايات المتحدة يجعل لهذه الدولة القدرة على حرمان أية دولة أو جهة في العالم من هذه الخدمات، حيث يوجد مقر الإنترنت العالمي في مدينة أتلانتا بولاية جورجيا الأمريكية، والخوادم العملاقة، وهي: العقول الإلكترونية الضخمة والتي يُنجز كل واحد منها أكثر من خمسة مليارات عملية في الثانية الواحدة، وكل شركات الإنترنت العملاقة، سواء تلك التي تزود الخدمة مثل: جوجل أو ياهو أو شركات التواصل مثل: فيسبوك وتويتر وسوى ذلك، فهذه كلها مركزة في الولايات المتحدة، وهي: شركات تابعة للدولة، وهي التي تتحكم بالاتصال الدولي من إنترنت واتصال هاتفي، وتتقاضى من مختلف الدول أجوراً نظير تقديم خدمات الاتصالات لها، ويجعل لهذه الدولة القدرة على التجسس على أية دولة أو جهة في العالم.

 وقبل عدة سنوات، حدثت عمليات تجسس إلكترونية أمريكية واسعة ضد الأعداء والحلفاء على السواء، ما دفع بعض الدول إلى الإعلان عن رغبتها في بناء شبكة إنترنت واتصالات وطنية. وكانت دول منظمة «البريكس» روسيا، والصين، والهند، والبرازيل، وجنوب إفريقيا، من أكثر الدول رغبة في التخلص من الهيمنة الرقمية الأمريكية، حيث أعلنت أنها بصدد تأسيس فضاء إلكتروني خاص بها مستقل عن شبكة الإنترنت الحالية، وقد اتخذت خطوات فعلية في هذا الإطار، حيث تقوم البرازيل ببناء منظومة الكابلات التي يمكن أن تربطها بروسيا والصين وجنوب إفريقيا، بكابل يبلغ طوله 34 ألف كيلومتر، يربط بين مدينة فلاديفوستوك في شرق روسيا وفورتاليزا في البرازيل، مروراً بشانتو الصينية وتشيناي الهندية وكيب تاون في جنوب إفريقيا.

 ومن المتوقع أن يوفر المشروع خدمات الإنترنت في 21 دولة إفريقية، وبذلك سوف تنشأ شبكة إنترنت جديدة موازية لشبكة الإنترنت الحالية، وسوف تكون منافساً قوياً للولايات المتحدة، بل وتعتزم دول «البريكس» أيضاً إصدار تشريعات تجبر القوى الرئيسية في الإنترنت مثل: «جوجل» و«فيسبوك» و«ياهو» على تخزين كافة المعلومات التي يتم جمعها داخل دول المجموعة محلياً، لكيلا تتمكن وكالة الأمن القومي الأمريكية من الوصول إليها. وإلى الآن لم يتم تفعيل تلك الشبكة العالمية الموازية، لكن عند إنجازها سوف تمثل ضربة مؤلمة للولايات المتحدة التي ستخسر مدخولات هائلة، كما ستفقد قدرتها على الوصول إلى بيانات أي شخص يستخدم تلك الشبكات الأمريكية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي وكاتب إماراتي، يشغل منصب المستشار الإعلامي لنائب رئيس مجلس الوزراء في الإمارات. نشر عدداً من المؤلفات في القصة والرواية والتاريخ. وكان عضو اللجنة الدائمة للإعلام العربي في جامعة الدول العربية، وعضو المجموعة العربية والشرق أوسطية لعلوم الفضاء في الولايات المتحدة الأمريكية.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"