العزل الأخلاقي

00:22 صباحا
قراءة دقيقتين

العزل الأخلاقي هي نظرية تركز على شقي الظلم والعدل عند دراسة القضايا الأخلاقية في الحروب والأزمات، كما أن المصطلح يطلق على العملية السيكولوجية التي تمارسها مجموعة من الناس التي تعتبر تنفسها متفوقة على الآخرين؛ بحيث تقوم بممارسة أنواع من إقصائهم والحط من إنسانيتهم بحجة عدم الانتماء إلى الجماعة، وهي عملية تعتبر أساساً للكثير من ظواهر التنمر والعنف بأشكالها المختلفة في جميع المجتمعات مع تفاوت أشكال العزل الأخلاقي فيها، ويبدأ الأمر منذ نشأة الطفل الأولى على مجموعة من المعتقدات التي تغذي توجهاته المستقبلية ونظرته للآخر وطريقة تطبيقه لمفاهيم مثل العدالة والمساواة وحق الآخر في التعبير والعيش، أما الجذور الكامنة لهذه الطريقة فهي موجودة في طبيعتنا البيولوجية والرامية إلى حمايتنا ومن نحب من الأخطار المحتملة وضمان استمرارنا في العيش - الهدف الأساس للعقل البدائي للإنسان – ولم تعد الحيوانات والكوارث الطبيعية مسببات مباشرة للخوف على بقائنا، مقارنة بدوافع لها تأثير لا يمكن مقاومته إلا في ما ندر مثل الحفاظ على الهوية والمعتقد والانتماء العرقي.
تلعب تكنولوجيا التواصل الحديثة والمنصات الاجتماعية المختلفة دوراً كبيراً في الكشف عن المناطق المظلمة في المجتمعات التي تمارس هذا النوع من العزل لدواع تاريخية وعقدية أو سياسية، فبمجرد تأمل أي جدل دائر حول قضية من القضايا مثل الهجرة والصراعات بين الأحزاب السياسية أو قضايا النسوية، يمكننا لمس الكثير من الأفكار التي تهبط بمستوى إدراك الفرد إلى حضيض العنصرية؛ حيث يتم عزل كل من لا ينتمي إلى الدائرة الأقرب وتبرير أي ممارسات لا إنسانية ضده، وربما ما أريد له أن يكون وسيلة للتواصل تحول إلى أداة للتفرقة والانشقاق في حالات كثيرة، الأمر الذي يتطلب منا دراسة ميدانية رقمية جادة لتلك الإشارات الضئيلة التي قد تتحول إلى توجهات خطِرة في المستقبل.
تقول برينيه براون الأستاذة الباحثة في جامعة هيوستن: «إن الحل لا يكمن في إثارة نوازع الخجل من هذا الفعل الإقصائي؛ بل تعزيز المساءلة والمصداقية» وهي عملية تحتاج إلى فرق متخصصة من السيكولوجيين والاجتماعيين الخبراء والميدانيين لفهم هذه الدوافع التي تطفو على سطح مجتمعات يفترض أنها متمدنة ومؤمنة بسلطة القانون وحق الإنسان، لكن قبل ذلك هي بحاجة إلى وقفة ذاتية (عازلة)؛ حيث يقبع ذلك الإرث من القصص التي قضينا عمراً في ترديدها لتشكل خارطة ذهنية تملي علينا طرقاً بحد ذاتها، قد تسهم دون أن نشعر في تعزيز «العزل الأخلاقي» لكل من لا ينتمي للقصة التي نؤمن بها، في حين أن استمراريتنا تعتمد وبشكل تام على «الجمع» لا «الفرقة» وعلى «الإنسانية» لا «البشرية».

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"