الصيــــن.. لاعب اقتصادي مهم لكنـه ليـس قائـداً عالمـياً

22:29 مساء
قراءة 3 دقائق

دانيال موس *

حتى مع أرقام الناتج المحلي الإجمالي المدهشة، لا يزال الطريق طويلاً لتقود بكين بوصلة السياسة العالمية
إن تعافي الصين من عمق ركود «كوفيد-19» مثير للإعجاب، وستكون البلاد بالتأكيد القوة الاقتصادية الرئيسية الوحيدة التي تنهي عام 2020 في منطقة إيجابية. ومن المتوقع لها أن تستمر في التوسع المطرد لهذا العام أيضاً. ولكن على الرغم من جميع صيغ التفضيل، ما يزال أمام بكين سنوات قبل أن تقود الاقتصاد العالمي.
قالت الحكومة في وقت قريب مضى، إن الناتج المحلي الإجمالي ارتفع بنسبة 6.5% في الربع الأخير من العام السابق، وهو أفضل مما كان متوقعاً وبوتيرة أسرع مما قبل الوباء. ورفع هذا الأداء التوسع الاقتصادي للعام الماضي إلى 2.3%. ولم يكن أشد المتفائلين يتوقع أن تتحقق هذه النتيجة مع بدايات الإغلاق الاقتصادي لاحتواء فيروس كورونا.
وبحسب تقديرات صندوق النقد الدولي، قد يقترب النمو من 8% هذا العام، متفوقاً على أمريكا وأوروبا واليابان. ووفقاً لمركز أبحاث الاقتصاد والأعمال، وهو شركة استشارية في لندن، ستحل الدولة الشيوعية محل الولايات المتحدة كأكبر اقتصاد في العالم؛ من حيث «القيمة الدولارية» في عام 2028، أي قبل خمس سنوات من توقعات العام الماضي.
وكما هو معروف، خلف كل الأرقام القوية هناك تحديات كبيرة أيضاً. فقبل الوباء، كان نمو الصين يتباطأ. وتبنت السلطات آنذاك موقفاً مناسباً؛ حيث اعتمدت التخفيف المالي والنقدي بينما كان الاحتياطي الفيدرالي لا يزال يشدد في سياسته في عام 2018. وقال صندوق النقد الدولي في اختتام المراجعة السنوية له في وقت سابق من هذا الشهر، إنه وبغض النظر عن عودة تفشي فيروس كورونا، فإن أحد أكبر المخاطر التي تواجه الصين هو التراجع عن الدعم الرسمي قبل الأوان. معتبراً أن استمرار بعض الدعم والسياسة النقدية، يبقي الوضع متكيفاً مع الظروف الخارجية المحيطة إلى حد ما.
سحب البنك المركزي الصيني يوم الجمعة الأموال النقدية من النظام المالي لأول مرة منذ ستة أشهر، بعد أن دفعت السيولة الزائدة معدل الاقتراض بين البنوك إلى أدنى مستوى له على الإطلاق. وأشارت هذه الحركة غير المتوقعة إلى احتمالية انتهاء التيسير النقدي للشهرين الماضيين. وفي حين أن هذا الموقف ساعد في إصلاح المعنويات في أسواق الائتمان والسندات الحكومية في الصين، إلا أن ضخ الكثير من السيولة يخاطر بزيادة النفوذ في النظام المالي.
كان تخفيف بكين الاقتصادي في عصر الفيروس التاجي معتدلاً مقارنة بنهج الاحتياطي الفيدرالي وضخ الأموال الذي أقره الكونجرس. وتشير تقديرات صندوق النقد إلى أن التدابير المالية التي طبقها الرئيس شي جين بينج تصل إلى نحو 4.7% من الناتج المحلي الإجمالي. في حين تجاوزت النسبة ال10% في الولايات المتحدة، وتعهدت اليابان بضعف ذلك.
هناك أسباب وجيهة لتردد بكين الأخير. فبعد أن ساعد التحفيز الضخم خلال الأزمة المالية العالمية على دفع الانتعاش، ترك الشركات الصينية في عبء كبير من الديون. ومن المعروف أن الكثير من الوفرة قد يخلص بشراهة اقتراضاً ينهي الأمور بشكل أسوأ، وبالفعل انتشرت موجة من حالات التخلف عن السداد بين شركات رفيعة المستوى عبر الأسواق في نهاية العام الماضي.
على الصين أن تكون ممتنة للبنك الاحتياطي الفيدرالي لتوليه دفة القيادة ودعم التوسع النقدي في جميع أنحاء العالم وخفض أسعار الفائدة إلى الصفر، واستئناف التيسير الكمي، وفتح الوصول إلى الدولارات في الخارج، والتوضيح بأن التشديد قد يستمر لسنوات. وتعد هذه القوة ميزة كبيرة للولايات المتحدة وعبئاً في نفس الوقت على الاحتياطي الفيدرالي. ومثل بقية الاقتصادات العالمية، تستفيد الصين من الأسواق المزدهرة وتركب موجة الظروف المالية الميسرة، من دون القيام بجهد كبير.
حجم المسؤولية الأمريكية يعد تياراً خفياً داعماً، وهو ما نوه إليه رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول في مقابلة سابقة مع الاقتصادي بجامعة برينستون «ماركوس برونرماير». أقر باول بأن نطاق استجابة بنك الاحتياطي الفيدرالي لفيروس كورونا يأتي مع كون الدولار هو العملة الاحتياطية العالمية والمواطن الاقتصادي الجيد في العالم. واعتبر بأنه من السابق لأوانه الحديث عن تخفيف الدعم من قبل الاحتياطي الفيدرالي. يذكر أن بنك الشعب الصيني لم يتمكن من الوصول لهذا المستوى من التدقيق.
تستحق الصين الإشادة على أدائها، وعلى مرونة اقتصادها الذي لولاه ربما كان الاقتصاد العالمي في وضع أسوأ بكثير. وقد تتفوق على الولايات المتحدة قريباً لكنه سيكون تفوقاً ثانوياً ومؤقتاً، فالصين لن تقود العالم بشكل أساسي ومطلق، وناتجها المحلي الإجمالي المزدهر لن يغير هذه الحقيقة.
* كاتب متخصص في شؤون آسيا في «بلومبيرج»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب متخصص في شؤون آسيا في «بلومبيرج»

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"

مقالات أخرى للكاتب