البضاعة الرائجة

01:45 صباحا
قراءة 3 دقائق

علي الأحمد  *

«إن توقفت عن الترويج لتوفر المال فأنت كمن يوقف ساعته ليوفر الوقت»، هي مقولة لهنري فورد تتحدث عن أهمية الترويج كعنصر أساسي لنجاح أي عمل تجاري، وقد مضى قرابة 100 عام على هذه المقولة، فهل حقاً مازال الترويج بهذه الأهمية؟
هنري فورد (1863-1947) هو مؤسس شركة فورد للسيارات الذي حقق حلم الأمريكيين وأصبح باستطاعة أبناء الطبقة الوسطى  وهم أغلبية السكان  اقتناء سيارة، والفضل يعود إلى هنري فورد، فهو الذي طور تقنية خط التجميع في صناعة السيارات والإنتاج بالجملة، وبذلك أتيح للأمريكيين امتلاك وسيلة نقل منحتهم حرية التنقل والسفر، وغيّرت معالم القرن العشرين.
آمن فورد بضرورة الإنفاق على الترويج، وكانت فلسفته «كلما ازددت نجاحاً عليك أن تروج أكثر لبضاعتك»، وخلال عشرينات القرن الماضي بيعت قرابة 30 مليون سيارة في الولايات المتحدة، وهو بداية العصر الذهبي لصناعة السيارات، حيث اشتدت المنافسة وازدهرت الإعلانات، وتفوق فورد على منافسيه، وشكلت مبيعات سيارة فورد (النموذج  تي) 47% من إجمالي مبيعات السيارات في أمريكا آنذاك.
 الوسائل الترويجية تطورت وأصبح للترويج التجاري فروع كثيرة أحدها يسمى Nation Branding، وهنا لا يتم الترويج لسلعة؛ بل لدولة معينة، وغالباً ما تكون هذه الحملات موجهة لتشجيع السياحة، ومن أشهر هذه الحملات الإعلانية Malaysia truly Asia، التي أطلقتها الحكومة الماليزية سنة 2007، بمناسبة عيد استقلالها الخمسين، واستطاعت الحملة بعد سنة من بدايتها، جذب 3.5 مليون سائح إضافي إلى ماليزيا، وهناك حملات أخرى لNation Branding، كالتي أطلقتها الهند Incredible India ودول أخرى مثل سنغافورة، وكوريا الجنوبية، وجميع هذه الحملات صممت لتنشيط السياحة.
عند النظر إلى السياحة في العالم العربي نرى أن دولة الإمارات تأتي في الصدارة، فقد تجاوز عدد السياح 20 مليون سائح في سنة 2019، ويشير موقع (WTTC) World Travel TourismCouncil إلى أن قطاع السفر والسياحة في دولة الإمارات شكل 11% من حجم الاقتصاد الإماراتي في 2018، بإجمالي دخل بلغ 165 مليار درهم (45$ مليار دولار)، والسياحة في كل دول العالم أضافت 7.6$ تريليون دولار إلى الاقتصاد العالمي، ومن المتوقع أن يصل دخل السياحة العالمية إلى 11.4$ تريليون دولار بحلول 2025.
توضح هذه الأرقام أن السياحة هي أحد الروافد الرئيسية في اقتصاد دولة الإمارات، وكلما تنوعت القطاعات المساهمة في الاقتصاد نصبح أكثر قدرة على المنافسة واقتناص الفرص، والتأقلم مع الأحداث العالمية التي نتأثر بها، بطبيعة الحال، ولعل السياحة لها خصوصية عند أهل الإمارات لأنها امتداد طبيعي لرسالة التسامح والتعايش منذ التأسيس، ورثناها من آبائنا وسنورّثها لأبنائنا، وهؤلاء الملايين من البشر من كل بقاع الأرض اختاروا السفر إلى الإمارات بعد مقارنة مع غيرها، ولأنهم يجدون ما يبحثون عنه من خيارات ترفيهية منوعة بين إمارات الدولة، وكثير من السياح يعودون إلينا ليكملوا استكشاف بلادنا، فتكتمل عندهم التجربة الإماراتية.
لربما تكون مساحة دولة الإمارات من أهم مزاياها، ونظراً لقرب المسافة بين المدن، وتوفر البنى التحتية المتطورة للمواصلات، فالسائح في بلادنا بإمكانه التنقل دون أن يتكبد عناء الساعات الطويلة على الطرق، أو مشقة الطيران الداخلي. ويستطيع الزائر أن يتناول فطوره على شاطئ السعديات في أبوظبي، ويمضي ساعات على رماله الذهبية، ثم يقود سيارته ليقابل أحد أصدقائه على الغداء في أحد مطاعم ميشلين ستار على شارع الشيخ زايد في دبي، ويكمل دربه ليشاهد غروب الشمس بلونه النحاسي على كثبان مليحة في الشارقة، ويُنهي يومه مستمتعاً بعشاء تحت ضوء القمر في جزيرة المرجان في رأس الخيمة.
اليوم مع تطور وسائل التواصل الاجتماعي يصبح كل سائح بمثابة منصة إعلامية تشيد بتجربتها لدولتنا، وعندما يزورنا سنوياً ضعف عدد سكان بلادنا، فذلك دليل على أن بضاعتنا رائجة.
* سفير دولة الامارات في فرنسا

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دبلوماسي إماراتي وسفير سابق في ألمانيا وفرنسا

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"