لنتذكر الحب

23:54 مساء
قراءة 3 دقائق

عثمان حسن

ها هو «أبو الفنون» في يومه العالمي يلقي على جمهوره تحية الإبداع والرشاقة... ها هو في هذه الظروف العصيبة، يلوح للناس بالحب والخير والجمال، يلوح أن هلموا، لنلعب على الخشبة، وفي الهواء الطلق، أن نفهم أكثر، وأن نتعلم كيف نلملم الجراح، وأن نبحث في أجسادنا، وفي أنفاسنا عن شهقة بطعم الندى والمطر، ولنبدأ سطراً جديداً في أبجدية الحياة.

تحل مناسبة «اليوم العالمي للمسرح» والمسرح ليس بخير كما عهدناه، فهو لم يتعود أن تغلق صالاته، بسبب جائحة عابرة، ولم يتعود أن يخاف أهله من مرض أو وباء عابر.

في يومه العالمي، مناسبة كبيرة لإدراك أهمية الفنون في حياة الشعوب، وكيف لعبت دوراً مهماً في الترفيه واكتساب خبرة جديدة في الحياة. 

في يومه العالمي، يهب الممثلون، والمشاهير، والطواقم الفنية، والأكاديميات والجمعيات وعشاق المسرح في جميع أنحاء العالم، ليتحسسوا ما لديهم من قوة، وليبحثوا بعمق عن معاني الحب والتسامح والخير والسلام.

في يومه العالمي، ها هو «أبو الفنون» يبث جرعة مضاعفة من الفرح، يستثير الوجدان والعقل، نحو مزيد من الوعي، ليذكر بقيم تكاد أن تنمحي، وليحذر من أمراض وحروب تتربص بالبشر، فيدعوهم لرص الصفوف، ويعزز لديهم مناعة المقاومة والصمود.

في هذا اليوم، الذي يلتف حوله، نخب وجماهير المسرح في العالم، نتعلم لعبة المسرح، لنحافظ على قدر من البهجة والفرح، أن نتعمق أكثر في المفاهيم والجماليات، والمعارف، والعروض، والاستعراضات، وألعاب الدمى، والغناء، والرقص؛ لكي نساعد الأطفال على النهوض، ونوشوشهم بحنان، ليبدأوا مفتتح الحكاية، وليختتموا نهاياتها، بمشاعر أنقى وأجمل، على شاكلة الفراش وسطوع الضوء وهسهسة الماء.

في يومه العالمي، ها هو يشعل منصته، بكل لغات العالم، قوة ناعمة، ومنبراً للحب والمعرفة، يشعل منصته ليحارب الفقر، والمرض، والحرب، والجشع، والحقد، وكل أشكال الصراع العالمي.

في هذا اليوم، يعقد ماراثون مسرحي، يؤالف بين البشر، وكما يتمنى الكاتب والمخرج الجنوب إفريقي«بريت بيلي» يفتح الأشجار في القرى الصغيرة، وفي مسارح المدن الكبيرة عالية التقنية، وفي قاعات المدارس، وفي الحقول والمعابد، في أحياء الفقراء وفي قصور المدن، وفي السراديب الداخلية وفي مراكز الأقليات.. ليتجمع الناس فينجذبون حول عوالم مسرحية تعبر عن تشابكاتنا الإنسانية، وعن تعددنا، وعن جراحاتنا، وأجسادنا الحية وأنفاسنا وأصواتنا.

«الدنيا مسرح كبير».. قالها شكسبير يوماً ومضى، وفي اليوم العالمي للمسرح، ليس أقل من أن نتذكره، لنبدد ذلك الحزن الصامت الذي يهمس في القلب حتى يحطمه.. ونتذكر «صموئيل بيكيت» فنختصر الطريق، فهي طويلة عندما يقطعها الإنسان وحده، وأن نغادر منطق الوحدة بقوة أكبر، ومعرفة أصيلة، قادرة على اجتراح بهجة جامحة تساعدنا أكثر على الفهم، لكي نكتب غير ما نتكلم، ونتكلم غير ما نفكر، ونستخلص ما يمكن أن يكون معيناً لنا في الرحلة.

في اليوم العالمي للمسرح، نتذكر آرثر ميللر، ذلك الرجل المهموم ب «أبو الفنون» الذي هندس مسرحاً ناجحاً يشبه قصة الطيور التي تعود لتجثم على أعشاشها، أعشاش للعصافير تلخص رحلة الطيران والشقاء، والطير يشبه الطفل، بل يشبه روح الطفل التي كان ميللر يعتقد أننا لن نستطيع إمساكها، والتعامل معها، إلا بعد أن نجلس هادئين وأكثر من ذلك، نتمتع بقدر هائل من الحب، عندها فقط سنجد أن هذه الروح قد أقبلت نحونا بكل هدوء.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب وشاعر وصحفي أردني، عمل في الصحافة الأردنية / في القسم الثقافي بجريدة الدستور ، ويعمل اليوم محررا في جريدة الخليج الإماراتية / القسم الثقافي، صدرت له عدة كتب في الشعر بينها: "ظلال" ، وردة الهذيان / ، وكبرياء الصفة / ، كما صدر له كتاب في الإمارات بعنوان "محطات حوارية مع وجوه ثقافية إماراتية" .
له كتاب مترجم غير منشور/ قصائد عن الإنجليزية، نشرت بعض هذه القصائد في "ثقافة الدستور" وفي مواقع إلكترونية محكمة مثل موقع "جهة الشعر.
شارك في أماسي وملتقيات شعرية عربية كثيرة، وقد قدمت حول نتاجاته الأدبية الكثير من القراءات النقدية.
عضو رابطة الكتاب الأردنيين ، وعضو نقابة الصحفيين الأردنيين.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"