عادي

«فلسفة الفكاهة»..الضحك فن الحياة

00:43 صباحا
قراءة 3 دقائق
2803
EgH6EGUXYAoFPUt

ما يجعل النكتة سخيفة هو تفسيرها أو شرحها وتوضيحها، فهي تعتمد على المفارقة وسرعة البديهة، لذلك فإن معظم الدراسات المتعلقة بالضحك والفكاهة تؤكد أن تحليل الدعابة يعني تدميرها بالكامل، فإذا أردت إضحاك الآخرين، فلا ينصح بأن تلقي المزحة وتفسرها في الوقت ذاته، غير أن للفيلسوف تيري أيجلتون رأي مختلف، فهو يرى أن تحليل النكتة والدعابة ممكن؛ بل ضروري، وذلك ما فعله في كتابه «فلسفة الفكاهة»، حيث أقبل على عملية البحث عن أسرار الضحك، وتفسير المزحة عبر منهج علمي يرصد ويتتبع كل النظريات المتعلقة بالكوميديا.

يشدد أيجلتون على أن فهم طريقة عمل الفكاهة لا يعني تدميرها، مثلما أن فهم القصيدة لا يعني القضاء عليها أيضاً، وبشيء من السخرية وحس الدعابة يقول أيجلتون: «إن المعرفة التشريحية بالأمعاء الغليظة لا تشكل أي عائق أمام الاستمتاع بالوجبة»، ومن الواضح أن أيجلتون يدعو للتعامل مع الدعابة كنص أو كحالة أو موقف خاضع للتحليل والتفكيك والتفسير، فهي ليست شيئاً معقداً أكثر من الشعر، على سبيل المثال، فلابد أن هنالك سبب وجيه للضحك.

وعلى الرغم من أن الكتاب يرى أن الضحك ظاهرة عالمية، لكنها تعبر عن نفسها بطرق وأساليب مميزة ومختلفة، فهناك «القهقهة»، و«الهأهأة»؛ أي الضحك بصوت مرتفع، كما أن هناك الضحك بطريقة أقرب إلى الصراخ، وأيضاً هناك الابتسامة التي قد تأتي بصور متعددة، ساخرة مبتهجة ومتكلفة ومصطنعة، وكل هذه الأشكال والأنواع من الضحك تعبر عن مجموعة من المواقف العاطفية مثل السعادة والمكر والخشونة والخجل والتعاطف والصدمة، وهي أحياناً لا تعبر عن المتعة، فقد يضحك الإنسان أو يبتسم لأسباب غير شعوره بالسعادة أو الارتياح.

ويتوقف الكتاب عند أشكال معينة من الضحك مثل ذلك النوع الذي يكون بلا سبب، أو المعدي، فأحياناً نضحك عندما نرى شخصاً آخر مستغرقاً في القهقهة؛ أي ينتقل إلينا الشعور مثل العدوى المرضية؛ بل وأحياناً يلتقط الإنسان جرعة من الضحك دون أن يعرف مصدرها. ويتحدث المؤلف كذلك عن أشخاص يصرخون من الضحك، يلهثون ويصابون أحياناً بنوبات قلبية، فالضحك كما يرى أيجلتون هو أن تعيش بعمق.

الكتاب يشير إلى أن الأسباب والدوافع والأشكال المتعلقة بالضحك، تنطبق كذلك على البكاء، ويستعرض مقولات وآراء لعدد من الفلاسفة والعلماء حول هذا الموضوع، فقد أشار جيمس جويس في مؤلفه «جنازة فينيجان»، إلى دموع الضحك وتوقف عندها كثيراً. أما صمويل بيكيت فقد تحدث في كتابه «مولي»، عن امرأة توفي كلبها للتو، وبدلاً من البكاء دخلت في موجة صاخبة من الضحك الهيستيري.

ويقول بيكيت حول رد الفعل الغريب ذلك: «ربما كانت تلك طريقتها في البكاء، أو ربما كنت مخطئاً، فربما كانت تبكي بالفعل، فعلى العموم ليس من السهل دائماً التفريق بين الضحك والبكاء»، وبالطريق ذاته تحدث تشارلز داروين في دراسة له حول العواطف؛ إذ أكد صعوبة التمييز بين البكاء والضحك.

أما عالم الأنثروبولوجيا ديزموند موريس، فهو يشرح في كتابه «القرد العاري»، حقيقة توصل إليها وهي أن الضحك تطور عن البكاء.ويستعرض الكتاب الفكاهة في التاريخ البعيد، ليخرج بكثير من المفارقات، فالطبقات الحاكمة في العصور القديمة والوسطى في أوروبا، لم تكن تميل نحو الكوميديا، فعلى ما يبدو أن الضحك كان عيباً، فهناك التسلية المتحضرة؛ أي المرتبطة بسلوك الطبقات البرجوازية النبيلة، في مقابل القهقهات العالية التي تشير إلى الطبقات الشعبية، أما أرسطو فكان يؤكد مثل تلك الفوارق، ويرى أن خفة الدم شيء إيجابي لكنه يتطلب الصقل والتعليم، أما أفلاطون فقد كان يتخذ موقفاً مضاداً للسخرية، فهي مدمرة وقد تؤدي إلى شرور الانقسام الاجتماعي.

ويورد الكتاب تعليقاً للفيلسوف واللغوي ميخائيل باختين حول ذلك الأمر، فهو يشير إلى أن الضحك في العصور الوسطى بقي خارج جميع المجالات الرسمية للأيديولوجيات المختلفة، وخارج كل الأشكال الصارمة للعلاقات الاجتماعية، فقد تم النهي عن الضحك من قبل الطوائف الكنسية، والاحتفالات الإقطاعية ومن جميع أنواع مناسبات الطبقات العليا، وأصبح ذلك الأمر من آداب السلوك.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"