عادي
قراءات

«الضحك».. يدمر الخوف

22:00 مساء
قراءة 3 دقائق
tab
1602

الشارقة: علاء الدين محمود

ايجد موضوع الضحك اهتماماً خاصاً عند المفكرين والفلاسفة والأدباء وعلماء النفس والمبدعين في مجالات مثل المسرح بأشكاله المختلفة، وينطلقون في هذا الاهتمام من أن الضحك ميزة يتفرد بها الإنسان دون سائر الكائنات، ويرى كثيرون منهم أن تلك الخاصية تطورت من حيث التوظيفات، فصار الضحك يستخدم كتعبير عن كثير من المشاعر والمواقف المتناقضة، يحضر عند الفرح، كما يحضر في درجة من درجات الغضب والألم والبؤس، ويستخدم كسلاح ضد القبح والظلم، ويبرز كحالة نقدية ضد الكثير من القيم والعادات الاجتماعية والأفكار السياسية.

من المؤلفات المهمة التي تتناول موضوع الضحك، يبرز كتاب «الضحك.. بوصفه تاريخاً هداماً دراسة في النقد الثقافي»، للكاتب والمفكر الأكاديمي الأمريكي بيري ساندرز، والذي يمارس الاحتفاء بذلك الشعور الإنساني الجميل، ويريد له أن لا ينقطع عن حياة البشر، إذ إنه يجمل الحياة، والكتاب يقلب صفحات تاريخ الضحك بوصفه ثقافة منذ أقدم العهود إلى الوقت الراهن، من أرض مصر وكنعان إلى بلاد الإغريق، متنقلاً في صوره وأشكاله المقدسة والبريئة والشعبية والسياسية الموجّهة.

في مستهل الكتاب يرسم المؤلف صورة بديعة لمقدم الطفل إلى الحياة معلناً عن حضوره في البدء عبر الصراخ ثم الضحك، ويقول: «عبر ثقافات متنوعة، يؤشر الأطفال إلى مجيئهم إلى الحياة بالصراخ، بيد أن العالم القديم يعلن عن الطفل أيضاً بأن لديه نَفَساً آخر يظهر بوضوح وبأروع سبيل، ذلك هو الضحك، إن هواء الضحك، هذا الأكثر دفئاً وإثارة، يحول وعلى نحو إعجازي كل طفل إلى كائن بشري بوساطة الهواء الذي يمكنه من الضحك»؛ أي أن الضحك هو الذي يحول الطفل إلى كائن بشري، أو كما يرى أرسطو فإن هذه اللحظة تفصل بين البشر والحيوانات جذرياً، حتى أنه استعمل قوله هذا في تعريف ماهية الإنسان بأنه «المخلوق الضاحك».

يتجول ساندرز في عوالم الضحك وخصوصيته عند الفلاسفة في عصور مختلفة، ويستعرض بعضاً من آرائهم، فقد التفت أفلاطون إلى الإمكانيات الكبيرة للضحك كسلطة حقيقية وموقف مضاد ويقول: «الضحك يمكن أن يحفر بحوافره كخصم عنيد ضد السلطة، كما أنه قد يلعب دور المحكمة القانونية، ويعيد كتابة القانون على الأرض»، لكن أفلاطون في ذات الوقت يقدم تحذيراً من الإكثار من الضحك، فهو في هذه الحالة يتحول إلى موقف آخر، فهو يرى أن الإفراط فيه أمر شنيع وربما ينتج عنه العنف، بالتالي هو في هذه الحالة لا يليق بالمواطنين الفضلاء.

يتوقف الكتاب عند «رسائل من كوكب الأرض»، لمارك توين، والذي قال عن الضحك كأداة فعالة: «إن جنسكم، في فقره، لديه سلاح مؤثر واحد لا جدال فيه، وهو الضحك، أما السلطة والمال والاضطهاد، كل هذه يمكن أن ترفع كمية ضخمة من الهراء، لا شيء يقف أمام بطش الضحك»، لذلك كثيراً ما نظر إلى الضحك والكوميديا كجريمة، كما جاء في رواية «المزحة»، لميلان كونديرا، والتي تشير إلى أن النكتة قد ترقى لمستوى الجريمة، أما الفيلسوف واللغوي الشهير ميخائيل باختين، في كتابه «الحوارات المتخيلة»، فيقول: «إن الضحك يدمر الخوف، ويجعل أي موضوع قابلاً للنقاش والتداول، ويفسح المجال للتحقق منه، إن الضحك عامل فعال في رفع حواجز الخوف، والذي من دونه يستحيل الوصول إلى العالم بواقعية»، وما ذهب إليه باختين هو أمر في غاية الأهمية، حيث عمل على الربط بين الضحك والحقيقة، وهو اتجاه ظهر في كثير من التيارات المسرحية والأدبية التي تصنع علاقة بين البحث عن الحقيقة والوصول إليها وبين السخرية أو الفكاهة.

وخصص المؤلف الفصل الأخير لتناول الشخصية الأكثر إضحاكاً وإبهاجاً في التاريخ الحديث، تشارلي تشابلن، والذي يصفه بالمهرج الذي اكتشف في الضحك القدرة على طرد أعتى الشرور، ويتوقف طويلاً عند تجسيد تشابلن لشخصية هتلر، وكيف حول ذلك الديكتاتور الدموي إلى دمية كوميدية يضحك عليها البشر الذين بكوا كثيراً من شروره، وبذلك فإن شابلن قد وجد في الضحك سلاحاً يستطيع أن يهزم أقوى الخصوم وأكثر الأعداء شراسة وقبحاً.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"