عثمان حسن
جسدت الحالة البانورامية الفريدة من نوعها التي تمثلت في ظاهرة إكسبو دبي 2020، حالة خاصة في تنظيم المعارض الدولية، لا سيما أنها أنجزت سبقاً عالمياً من حيث تعداد الدول المشاركة، وأيضاً لكونها تمثلت من خلال ظاهرة مبهرة من حيث الشكل والمضمون، فنحن بإزاء لقاء عالمي وتظاهرة لم يسبق أن قدمت هذه الفسيفساء الرائعة من التقاء الثقافة بكافة أشكال الفنون المعروفة، من مسرح، وغناء، موسيقى، ورقص، وفنون شعبية ومعاصرة، تمازجت في حلة مبهرة من الأضواء، والتصاميم اللونية التي استثمرت فضاءات التقنية الحديثة بشكل فريد لم نعهده من قبل.
هذا المعرض الذي تشارك فيه نحو عشرات البلدان اختصر جهات الأرض شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً، وتشارك فيه دول ومنظمات وهيئات ومؤسسات مجتمع مدني، ويحضره آلاف الأفراد على مدار ساعات اليوم الواحد، كما تحضره شخصيات بارزة ريادية في مجال تخصصاتها في الفكر والثقافة والاقتصاد، وعلوم الفضاء والسياحة، وكافة أشكال التعاطي البشري، من المتوقع أن يكون له (أي إكسبو 2020) مفاعيل تبث طاقة إيجابية في كل من يحضره من الزوار، أو يشارك في فعالياته من الرواد والشخصيات والشركات، ومن المتوقع أيضاً، بحسب ما يؤكد كثير من الخبراء والمتابعين، أن يكون لهذا الحدث ما بعده، من أفكار جديدة ستنعكس على آليات تنظيم المعارض الدولية في المستقبل.
في العادة تنبني فلسفة المعارض على مفاهيم واضحة، تؤسس لصياغة نظريات تبنى عليها سياسات ومشاريع ترسم ملامح المستقبل البشري.
هنا نحن أمام مخيلة بشرية أساسها التواصل والمساهمة الجماعية في بناء شراكات عالمية وإنسانية في المقام الأول.
وهي فلسفة مهمة لالتقاء النوابغ والمفكرين العالميين، لطرح أفكار وإبداعات تمتحن قدرة الفكر البشري على تحقيق تقدم حقيقي لمخرجات التنمية، وما أحوجنا في العالم العربي إلى مثل هذه النقلة النوعية التي تبشر بمستقبل ناهض، يليق بنا، كما هو متاح لسوانا في الدول المتحضرة.
سيساعد إكسبو دبي في خلق فرص جديدة، هي بكل تأكيد فرص عابرة للقارات والحدود الجغرافية بين الدول، وستعزز هذه الفرص سبل تنمية الحوار والتبادل الثقافي بين هذه الدول، وسيرسخ هذا المعطى الحيوي من فرص لقاءات المبدعين، ومنتجي الأفكار من كافة جهات المعمورة.
إذن، نحن بإزاء ظاهرة عالمية، سيكون لها ما بعدها، وسيكون الحاضن الأكبر لهذه اللقاءات، هو الحس بالمسؤولية الجماعية، هذه المسؤولية التي تؤكد مجدداً ثقافة الحوار، وأهمية أن يكون الوجدان البشري محركاً للطاقات والفعاليات، وكل ما يعزز الطموح الإنساني الذي يجمع ولا يفرق، والذي يؤسس لمرحلة جديدة من التسامح والإخاء والحب الذي سيقف بكل قوة أمام الأفكار العنيفة التي تفرق وتشتت الجهود.
هنا إكسبو دبي 2020، نافذة الحوار الثقافي العالمي، ونافذة على التعاون البشري، وبوابة مشرعة على مستقبل أكثر تسامحاً؛ مستقبل تحركه العقول، كما تحركه الطاقات والمنجزات ويحركه الجوهر الإنساني، هذا الجوهر الذي ينبني في الأساس على مرتكزات واضحة ومشتركات بشرية طموحة تؤمن بالحب، وتسعى إلى نشر الإبداع وتعزيز مداميك ثقافة الجمال.