اصطفافات عالمية

00:14 صباحا
قراءة دقيقتين

ظن العالم خطأً أنه سينعم بحياة هانئة عقب القمة التي جمعت في الثالث من كانون الأول/ديسمبر 1989 بين الرئيسين آنذاك الأمريكي جورج بوش الأب والسوفييتي ميخائيل جورباتشوف، وأعلنا خلالها انتهاء حقبة الحرب الباردة، والانتقال إلى عالم جديد تسوده التفاهمات الدولية المبنية على العمل المشترك لخدمة القضايا الإنسانية، غير أن شيئاً من ذلك لم يحدث؛ بل إن العالم اتجه إلى مزيد من التحالفات المضادة لبعضها، وهو ما أوجد انقساماً حيال قضايا جوهرية عدة وقف العالم عاجزاً عن إيجاد حل لها جرّاء التجاذبات بين الدول، وزاد التوتر العالمي أكثر بعد اصطفاف الدول الأوروبية إلى جانب واشنطن في عدائها ضد بكين وموسكو. 
الحرب الباردة كانت أخف وطأة على العالم مما يعانيه اليوم جرّاء التجاذبات والتحالفات التي تظهر في شرقه وغربه، لاسيما بعد انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي، واقترابها أكثر من الولايات المتحدة وتشكيلها مع الأخيرة وأستراليا تحالف «أوكوس» الذي استثنى فرنسا الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة، و«أوكوس» هو غيض من فيض الانقسامات بين دول كانت متحالفة بالأمس القريب، واليوم بدأت تتأطر في تحالفات أخرى، وربما لن يكون غريباً إذا شهدنا في قادم الأيام انقساماً بين الدول الأوروبية ذاتها، التي لطالما فاخرت بوحدتها، لا سيما أن المواقف الأوروبية لم تعد تنظر لكثير من القضايا بعين واحدة مشتركة؛ بل إنها كثيراً ما تتعارض.
ولعل أبرز ما طفا على السطح في الانقسام الأوروبي العلاقة مع موسكو؛ إذ إن هنالك رؤيتين مختلفتين إحداهما تنتهج لغة شديدة تجاهها مستندة إلى ما تأسس عليه حلف «الناتو» من عداء لموسكو، وهي بذلك تتماهى مع سياسات واشنطن، أما الرؤية الأخرى فهي على الرغم من تحفظها تجاه ضم روسيا للقرم، وتسميم المعارض أليكسي نافالني في عام 2020، فإنها تدعو إلى نبذ لغة العداء المطلق تجاه موسكو، وإقامة علاقات جيدة معها، ولعل الاتفاق الساكسوني الأخير بين أستراليا وبريطانيا والولايات المتحدة عزز من هذه الرؤية.
 تجاوز الحرب الباردة والقطبية الواحدة إنجازان عالميان، أسهما في إزالة التوتر على أكثر من صعيد، غير أن ذلك لم يسهم في إيجاد توافق يقدم المصالح الإنسانية على المصالح الآنية لكثير من الدول، وما يشهده العالم اليوم من انقسامات يشي بأنه يتجه نحو تشكيل معسكرين هما: معسكر الشرق المؤلف من الصين وروسيا وكوريا الشمالية إلى جانب دول أخرى تحاول موسكو وبكين جذبها إلى صفهما اعتماداً على العلاقات المتوترة بين تلك الدول مع واشنطن، ومعسكر الغرب بقيادة الولايات المتحدة مع بريطانيا، والذي انضمت إليه أستراليا، وبين هذين المعسكرين تقف أوروبا منقسمة كذلك بين دول تؤيد معسكر الشرق رافضة الهيمنة الأمريكية لا سيما أن العلاقات بين أوروبا والولايات المتحدة شهدت تصدعاً كبيراً جرّاء سياسات ترامب ولم تفلح خطوات جو بايدن في رأب الصدع وإعادة المياه لمجاريها، ودول تؤيد معسكر الغرب لما تحمله من عداء لموسكو لاسيما تلك الدول المتاخمة للحدود الروسية.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"