تونس عروس الشعر والبحر

23:51 مساء
قراءة دقيقتين

محمد البريكي

وقف الشعر شامخاً في مدينة الحمامات التونسية وهو يستقبل موج البحر المتسلل بهدوء إلى الساحل ليستمع إلى معزوفات شعرية أنيقة، إذ احتفت المنابر بتغريد الشعراء وكأنهم يقفون عليها كما يقف الطير على الغصن، فقد جرى ماء القصيدة في شوارع مدينة الحمامات كما تجري فيها أنفاس البشر والشجر.

وفي الدورة السادسة من مهرجان القيروان للشعر العربي، انتقل بيت الشعر من مسقط وجوده في القيروان، حاملاً معه أمجاد عقبة ومآذن جامعه القريبة من البيت، وأبواب المدينة المحتفية بالناس، ونقش الزربية الذي يصافح القادمين عند مدخلها، انتقل إلى مدينة أخرى وهو يحمل مع كل هذا أغاني الشعراء وأحلامهم وطموحاتهم، وهم يجسِّدونها واقعاً في مهرجان أكمل دورته الخامسة، واستقبل دورة أخرى كثيرة بالشعر، غزيرة بالدهشة، كبيرة بالمحبة لديوان العرب.

في مهرجان القيروان للشعر العربي، مناخات اللقاءات الشعرية آسرة، من خلال ثلاثة أيامٍ شعرية ونقدية مكثفة، حيث تجد الشعراء يعلقون على صدر الزمان قلادة الشعر والفخر. فقد استحضرت الشارقة مع القيروان جمال القصيدة، وانتشت خلال أيام المهرجان الكلمات على وقع أصوات الشعراء، فهكذا تقول دائماً لنا الشارقة التي فتحت حواراً بنّاءً للشعر في المدن العربية.

إن الشعر صورة حقيقية لما يجري في أذهان العرب، فلم تزل لغة الشعر درة غالية في تاج عروبتنا، والحقيقة أن المهرجان قدم الشعر في صورة أنيقة، فقد تألق الكبار في تونس وقدموا لوحات غاية في الدهشة، مما أعطى للمهرجان جمالاً حقيقيّاً، فالشعر الذي يتقارب مع الناس ويقدم عزفاً بوسعه أن يجعل الحياة شلالات من الدهشة. 

وقد عشنا في هذا المهرجان مع أمسيات لها بريق خاص استمعنا فيها لتجارب شابة لها همم وثابة، ورؤية تقبض على ضوء البدايات، وتنطلق برؤيتها الجديدة إلى أبعد الفضاءات، خصوصاً أن مهرجانات بيوت الشعر التي تتبناها إمارة الشارقة هيأت منذ البداية مناخاً شعريّاً اعتمد على فتح المجال أمام الشعراء المبدعين من كل الأعمار، لكي يحدث هذا الانسجام الإبداعي الواعي ونحن نعرف جميعاً الكم الثقافي الذي يهيمن على الساحة التونسية.

 هذا البلد العريق له باع كبير في الثقافة، وتكاد تكون حياة الشعب التونسي قائمة على المعرفة، محتفية بالشعر وألقه، وكل هذا ظهر بوضوح منذ اللحظات الأولى التي انطلق فيها المهرجان، حيث التوافد الطبيعي من قبل جمهور يقدر الثقافة ويتعايش بفكر وعقل منفتحين على التيارات الشعرية الأصيلة، وهو ما أعطى المهرجان صفة الجماهيرية، وهذا ما يسعى إليه الشعراء حتى تكون مناخات الشعر في المهرجانات ذات الأهمية على قدر القيمة، فشكراً لإمارة الشارقة التي جعلتنا نطوف في البلدان العربية باسم الشعر، وشكراً لتونس الخضراء، والعروس المطلة بأناقتها على البحر المتوسط، تلك الدولة المدهشة في شعريتها وجمالها الطبيعي الأخّاذ.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"