الدرس الوحدوي في أوكرانيا

00:50 صباحا
قراءة دقيقتين

د علي محمد فخرو

دعنا نكون صريحين بصدق مع أنفسنا، نحن العرب، بالنسبة لموضوع الصراعات التي تدور في دولة أوكرانيا ومن حولها. فجميع أطراف المسألة الأوكرانية، بحربها وأكاذيبها ومبارزاتها الإعلامية، لا يهمها مواقف الدول العربية؛ إذ إنهم يعرفون بأن بعضها خاضع للنفوذ الروسي وبالتالي سيساند المنطق والفعل الروسي، وأن بعضها الآخر خاضع للنفوذ والأوامر والابتزازات الأمريكية والأوروبية، وبالتالي سيقفون في الخندق الآخر.
 أما مواقف الشعوب العربية ومجتمعاتها المدنية، فتعرف أطراف الصراع أنها لا تقدم ولا تؤخر لا في اتخاذ قرارات الداخل ولا في اتخاذ قرارات الخارج، وهي تتأثر بمواقف القيادات وبألاعيب السياسة ولغو الإعلام وتجييش الانتهازية الدينية إن اقتضت ضرورات تمثيل المسرحية ذلك.
 ولذلك فثرثرة الكتابات واللقاءات الإعلامية التي تدعي إمكانية استفادة العرب مما يجري في أوكرانيا، في حقول الاقتصاد والمال أو غيرها من الاستفادات المضحكة، فإنها ثرثرات تؤكد جهل البعض المطبق.
ومع ذلك هناك جانب مما يجري حالياً في أوروبا يمكن للعرب الاستفادة من درسه البليغ الذي نحتاج إلى أن نتعلمه ونعي بعمق إضاءته ومعانيه الكبرى المفيدة لمستقبلنا العربي.
 هذا الدرس يتمثل في طرح هذا السؤال: هل كانت روسيا ستتصرف مع أوكرانيا بالطريقة التي تصرفت بها لو أن أوكرانيا كانت دولة من دول الاتحاد الأوروبي؟ بالطبع كلا؛ إذ كانت القيادة في روسيا ستحسب ألف حساب لكتلة كبيرة وقوية وخطرة من عشرات الدول الموحدة في إرادة سياسية واقتصادية وأمنية واحدة.
 في الحال يقودنا ذلك السؤال إلى طرح أسئلة على أنفسنا: لو كان العراق جزءاً من كتلة عربية موحدة، حتى بحدها الأدنى الأوروبي، فهل كانت ستجرؤ أمريكا منذ عقدين على فبركة أكاذيب يعقبها غزو العراق لتدمير مجتمعه وسرقة ثرواته؟ وهل كانت غيرها ستجرؤ على فعل ما فعلته من دمار واستباحة لسوريا؟، أو التمركز في الشمال العراقي كدولة محتلة لأرض عربية؟، وهل كانت إيران ستقحم نفسها في الشؤون الداخلية العراقية؟ وهل كان حلف الناتو سيجرؤ على غزو ليبيا ليُدخلها في الجحيم الذي تعيشه؟ وهل كان باستطاعة الجنوب السوداني الانفصال أو باستطاعة هذه الأقلية أو تلك في بلاد العرب التهديد بالانفصال وتقويض الدولة الوطنية؟
 ما يؤلم القلب ويبعث على الأسى أنه عندما ينادي القوميون العروبيون بشعار الوحدة، تحت أي مسمى، وبأية مسيرة تدرجية، ينهال عليهم بعض الكتّاب وبعض المثقفين بالغمز واللمز والتهجم، وفبركة الأكاذيب بادعاء أن المناداة بالوحدة هي من أيديولوجيات الماضي وأحلامه البليدة.
 هل يستطيع المناهضون لوحدة هذه الأمة أن يرتفعوا فوق جهالاتهم وخدماتهم المدفوعة، ليتعلموا من التجربة المريرة والدرس الذي تمثله التجربة الأوكرانية؟ هل يستطيعون رؤية أن واقع الأمم الكبرى في عالمنا، مثل أمم الصين وأمريكا وأوروبا وروسيا والهند، يظهر أن منطلق قوتهم الأساسي هو في توحد أجزائهم ومكوناتهم؟
 يا شابات وشباب أمة العرب ناضلوا في سبيل وحدة أمتكم، وتمعنوا في دروس وعبر التاريخ وواقع الحاضر، فمن دون توحد أمتكم لن يتحقق أي مطلب من مطالبكم.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

شغل منصب وزير الصحة ووزير التربية والتعليم سابقاً في البحرين. متخصص في كتابة مقالات في شؤون الصحة والتربية والسياسة والثقافة. وترأس في بداية الألفين مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث. كما أنه عضو لعدد من المنظمات والمؤسسات الفكرية العربية من بينها جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"