سُقُوف الوساطة

00:51 صباحا
قراءة دقيقتين

فيصل عابدون

مهما تكن ضآلة فرص نجاح مبادرات الوساطة في النزاعات الكبيرة إلا أنها تظل ضرورية ومهمة في إطار الجهود السياسية لمحاولة تقليص الخسائر على أقل تقدير، وحتى مثل هذا الهدف يبدو بعيد المنال في الحرب الجارية حالياً في أوكرانيا، وتشارك فيها دول كبرى ومتوسطة القوة بمستويات مختلفة من النشاط، ويتابعها العالم كله بمشاعر مختلطة من الخوف والرجاء والأمل.

 ويحتاج قبول الوساطة في النزاعات من حيث المبدأ إلى قدر من ثقة الأطراف المتنازعة في حيادية الوسيط المحتمل، وقدرته على تقديم ضمانات أو إحداث اختراق في مسار التفاوض عبر تقديم مشروعات حلول تستجيب لاهتمامات أو مخاوف أو أهدف الأطراف المتصارعة.

 وفي هذا الخصوص، فإن تركيا التي دخلت إلى حلبة الوسطاء تعد بأنها اتخذت موقفاً حيادياً، يؤهلها لقيادة مبادرة دبلوماسية، وتقريب مواقف الطرفين (الروسي والأوكراني)، كما تعد بأنها صاحبة مصلحة في احتواء النزاع العسكري، ومنع تمدده؛ وذلك بسبب قربها الجغرافي من ساحة المعركة، لكنها لا تملك مشروعاً للحل تقدمه على الطاولة، وتتأسس مبادرتها على محاولة توفير أجواء ملائمة لمفاوضات مباشرة بين المتنازعين.

 وغني عن القول، إن الجهود الدبلوماسية تظل عملية مرتبطة بالنزاعات السياسية والعسكرية بين الدول. وسواء كانت الأزمات في بدايتها أو قطعت شوطاً في تمزيق الأواصر، ومهما بلغ حجم الدمار أو الأضرار التي تتسبب بها الحروب، فإن الوسطاء لا يتوقفون عن بذل جهودهم من أجل وقف القتال في مرحلة ما. 

 ولا يتوقف الجهد الدبلوماسي في الحروب خاصة إلا في حالة واحدة هي نجاح أحد الأطراف في تحقيق النصر الكامل، وتتحول المفاوضات في هذه الحالة إلى عملية إملاء شروط المنتصر.

 وتصف الحكومة التركية مبادرتها للوساطة في هذا النزاع بأنها محاولة لتفادي تحول الحرب إلى «مأساة». وهو تعبير مرعب لأنه في الأساس لا أحد بإمكانه وضع صورة مقربة، تعكس مستوى المعاناة البشرية التي يمكن أن تفرزها هذه الحرب، مع حالة التأهب العسكري ولهجة العداء المتصاعدة بين دول تملك مخزونات من الأسلحة النووية القادرة على تدمير الكرة الأرضية كلها عدة مرات.

 وعلى الرغم من أن اللقاء الأول بين وزيري الخارجية الروسي سيرجي لافروف والأوكراني ديمترو كوليبا في أنطاليا التركية لم يحقق أي نتائج، فإن الحكومة التركية عدّت أن مجرد إجراء المحادثة بين طرفي النزاع «معجزة». وهي مبالغة مقبولة تراعي واقع الظرف الراهن. وقالت أنقرة إنها تتطلع في مرحلة تالية إلى عقد لقاء قمة بين الرئيسين بوتين وزيلينسكي.

 ويمكن في حالات معينة أن ترتفع سقوف وفرص نجاح مبادرات الصلح والتسوية، إذا أصاب الطرفان الإنهاك مثلاً، وتوصلا إلى قناعة بضرورة إنهاء الحرب. لكن هذه الحالة لا تنطبق على مجريات الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا. فهذا نزاع عسكري وسياسي متعدد الأطراف ومرتبط بالجغرافيا والتاريخ والحاضر والمستقبل، وما يزال في بدايته المبكرة. وهو صراع تدفعه وترتبط به احتمالات وتطلعات وطموحات ومخاوف وتهديدات هائلة وضخمة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"