عالم واحد

00:53 صباحا
قراءة دقيقتين

فيصل عابدون

صادفت بداية سنوات عملي في مجال الإعلام، الأحداث المذهلة التي رافقت انهيار الدولة السوفييتية، وأجواء الإثارة والتداعيات التي ارتبطت بها عملية تفكك تلك الدولة العملاقة والتي استمرت لشهور طويلة. ولكن وعلى الرغم من الأهمية الفائقة لهذا التطور السياسي والجغرافي والاجتماعي النادر الحدوث في عصر تاريخي واحد، إلا أنني اكتشفت من خلال متابعتي لانعكاساته على المجتمع المحلي، أنه لم يحظ إلا بالقليل من الاهتمام والمتابعة في الأوساط الشعبية والناس العاديين في المجتمع المحلي، على عكس الاهتمام المتعاظم، وسط نخبة السياسيين والمثقفين.

  هناك عاملان يمكن الإشارة إليهما في تفسير تجاهل العقل الشعبي وانصرافه عن التفاعل مع حدث بهذه الأهمية. العامل الأول أن الأحداث والتطورات تكتسب أهميتها في العقل الشعبي بمدى قربها أو بعدها الجغرافي من ناحية، وبحجم تأثيراتها المحتملة على حياة الناس في معاشهم خصوصاً، أو معتقداتهم الثقافية من الناحية الأخرى. ويتشجع الناس أيضاً للانخراط في النقاشات حول مجريات الوقائع التي تحصل في الدول الأخرى إذا كانت هذه الأحداث تنطوي على صراع من نوع ما، أو يتصدرها زعماء يملكون كاريزما القيادة المحفزة.

وغني عن القول ،أن ذلك الحدث الذي وقع مطلع التسعينات، لم يحمل في طابعه أي تأثيرات مباشرة في المجتمعات المحلية البعيدة عن مركزه، كما أنه لم يتضمن أي نوع من الصراع بين أطراف متنافسة بالشكل الذي يفسح المجال أمام انقسام الرأي والانحياز. كان ما يحدث أقرب ما يكون إلى لوحة ملونة، يُصب عليها الماء، فتفقد ألوانها ببطء وبطريقة غير مفهومة. ومن يسكب الماء شخص غير مرئي. 

ولم تكن هناك قيادة كاريزمية أيضاً. 

وفي واقع الأمر فقد كان نيكيتا خورتشوف المثير للجدل والصاخب، آخر الزعماء السوفييت الذين امتلكوا جاذبية القيادة وسحر التأثير في النخب السياسية والطبقات الشعبية على السواء، وفي قسم كبير من العالم.   

وخلف خورتشوف سلسلة من الرجال المسنين لم يعبأوا كثيراً بتحسين صورتهم لدى الشعوب الأخرى، ولم تهتم بهم الشعوب كثيراً. ثم جاء ميخائيل غورباتشوف الهادئ المنغلق.

إذن، فلم تكن هناك إثارة على مستوى القيادة خلال الفترة التي وقعت فيها أحداث تفكك الدولة السوفييتية، ولم يكن هناك صراع بين أطراف متنافسة، ولم تكن هناك تأثيرات أو أخطار أو مهددات على حياة الناس في المجتمعات والدول البعيدة.

 العامل الآخر هو الإعلام. يقولون إن العالم أصبح قرية صغيرة، لأن الإعلام بات ينقل كل الأحداث العالمية من موقعها وعلى مدار الساعة، ويساوي في تدفق المعلومات والمعرفة بين نخب المجتمع وطبقاته الشعبية. لكن الثورة التكنولوجية لم تكن قد وصلت بعد، عندما كانت الدولة السوفييتية تختفي وتغيب.

  وكانت اهتمامات الإعلام المحلي تركز على القضايا الداخلية على حساب الأحداث الدولية. غير أن الوضع اليوم يختلف كثيراً. فالعالم أصبح أكثر ترابطاً، وتشابكت مصالحه وعلاقاته بشكل، يجعل كل حدث كبير يحظى بما هو جدير به، من التفاعل والاهتمام والمتابعة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"