الحرب في أوكرانيا وتوازنات التمازج

00:37 صباحا
قراءة 3 دقائق

محمد خليفة

ثمة وقائع من الأحداث المفاجئة لا تشكل منعطفات جيوسياسية فحسب؛ بل هي ارتدادات في الثوابت الإيديولوجية، بما يؤدي إلى تحطيم العلاقات المادية والاجتماعية بين الشعوب، حيث يتفق كافة العلماء على أن الحاضر هو الموهوم المشترك بين الماضي والمستقبل. ولا يمكن أن تمثل قيم السلم بين الشعوب وفهمها من دون تيسير التنمية المجتمعية، اقتصادياً واجتماعياً، داخل الأطر المعرفية والحركية التي تحكم حركة العلاقات المبنية على السلام الاجتماعي بين مختلف الشعوب، ما يسهم في تشكيل العقل الكلي، في إطار الوحدة/الرؤية المستقبلية داخل النفس، والقيم الكبرى للمجتمعات والإمكانيات الفكرية والتقنية والمنهجية السائدة، على أساس من التكامل بين الأجزاء والترابط بين الوقائع والكينونة الوجودية للحقيقة الإنسانية.

ولكن عندما ترهن الشعوب مصائرها لمآلات سلبية، إبان الأزمات الكبرى، وفي مراحل الانتقال من نظام دولي معين إلى نظام دولي آخر، من دون النظر إلى ضرورة استكمال مقومات الاستقلال الاقتصادي للدولة، أو إدراك أن العامل الاقتصادي هو أخطر أسباب العنف في الفعل السياسي والعسكري، فذلك يؤدي إلى تطويع إرادة الآخر باستخدام الإكراه المادي، تلك هي أسباب نشوء الحروب نتيجة المغامرة غير المحسوبة والمطبوعة بالاضطراب والتزعزع واللاعقل.

إن القوة في الصراع الاقتصادي واضحة محسوسة الأبعاد، وفي مقدمتها مصادر الطاقة وإنتاج الغذاء، مع أن القوة ليست بديلاً عن الحق ولا مرادفة له، ولكنها في أجمل صورها وأسمى معانيها هي حامية للحق، وفي هذه الحالة تكون لها معايير كوقاية من التجاوز، لأن هذا التجاوز هو خروج عن الحق أو عليه، وتغيير لمعالمه وتشويه لقسماته.

فالقوة قد لا تجمع ولا تقنع وحالما تتراخى قبضتها أو يضعف ساعدها، فهي تنهار.

إذا لم تكن القوة في خدمة رسالة حضارية، فإنها تتحول إلى عنف وبربرية، وتنجر الدول للأحداث الديناميكية وتجرفها في تيارها ولا تترك أي مجال للتحرر من دوامتها. وهكذا جاءت الأحداث المؤلمة، ليس في روسيا أو أوكرانيا فقط، ولكن في كافة أقطار العالم متسارعة في إيقاعها وهدامة في زخمها. فهدمت فعاليات الاقتصاد، وعجزت الأنظمة السياسية عن أن تتحكم في نتائجها، لأنه في علم السياسة من يبني سياسته على التوازنات بين القوى يكون كمن يحاول أن يبني بيته فوق أمواج البحر. فاللعب بالتوازنات وعلى التوازنات قد يكون عملاً ضرورياً يستوجبه التكتيك، أما أن يغدو استراتيجية محضة، فهذا أمر خطر غاية الخطورة.

فمن المعروف أن للأحداث ديناميكيتها، وأنها عندما تطلق لا يعود حتى لمطلقها أي سلطة عليها، ولذلك تجرفه في تيارها، ولا تترك له أي مجال للتحرر من دوامتها.

إن انعطاف أوكرانيا وانجذابها بشدة نحو الغرب وأساليبه في العيش والحكم جعلت روسيا تنظر إليها على أنها من أخطر المسائل التي تواجه الشعب الروسي، وقد تؤدي إلى تفكك بنية القيم الثقافية والاجتماعية والجغرافية. ونتيجة ذلك، وفي خطوة غيّرت مسار الحرب في أوكرانيا، فقد قامت روسيا بضم أربع مناطق أوكرانية إليها، وكسبت أكثر من مئة ألف كيلومتر إضافي إلى مساحتها الهائلة.

ومن دون شك فإن قرار الضم سيؤدي إلى وقوع صدام مباشر بين روسيا وحلف شمال الأطلسي. وهذا الصدام سيكون مجالاً مفتوحاً لاستخدام أشد أنواع السلاح فتكاً، وعلى رأسها السلاح النووي.

إن مستقبل الدولتين سيكون قاتماً؛ لأن ما بعد الحرب ليس كما قبلها، وقد آن الأوان أن يتم تحكيم العقل وحقن الدماء، وأن تتوقف هذه الحرب والانتصار في توطيد السلام لمصلحة الشعبين وشعوب العالم أجمع.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mw9bseen

عن الكاتب

إعلامي وكاتب إماراتي، يشغل منصب المستشار الإعلامي لنائب رئيس مجلس الوزراء في الإمارات. نشر عدداً من المؤلفات في القصة والرواية والتاريخ. وكان عضو اللجنة الدائمة للإعلام العربي في جامعة الدول العربية، وعضو المجموعة العربية والشرق أوسطية لعلوم الفضاء في الولايات المتحدة الأمريكية.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"