عادي
رفوف إماراتية

قصائد ناصر الزعابي..تعانق الدهشة

19:50 مساء
قراءة 4 دقائق
ناصر البكر
  • - نمط مختلف على مستوى الدلالة والتكثيف والفكرة

الشارقة: عثمان حسن

في دراسة نقدية جديدة صدرت عن دار سويد للنشر والتوزيع للدكتور هيثم الخواجة بعنوان «ذاكرة الشعر والمطر» تتناول الشاعر ناصر بكر الزعابي. يقرأ د. الخواجة أشعار الزعابي بوصفها تنتمي لقصيدة النثر، كما يعتبره من الجيل الثالث في الإمارات ممن برعوا في كتابة نمط مختلف امتاز بخصوصية ما يطرح على مستوى الدلالة والتكثيف والفكرة التي ليست موجودة عند الآخرين.

جات الدراسة في سبعة فصول وحوار أجراه د. الخواجة مع الشاعر ناصر الزعابي، وفي الكتاب إطلالة على واحدة من روايات الزعابي الجديدة وكتابات أخرى له تنتمي للفلسفة.

جاء على لسان د. الخواجة في مقدمة الكتاب: «قد يتساءل البعض لماذا هذا الكتاب عن الشاعر ناصر الزعابي، ولم تكتمل تجربته بعد، وما زال في ريعان الشباب الشباب وأمامه الكثير؟ ويجيب: إنه سؤال مشروع ولكن الإجابة عن هذه الأسئلة تغدو ضرورية لتوضيح المسوغات التي دفعتني إلى كتابة هذا الكتاب عن ناصر البكر، فهو من أهم الشعراء الذين جودوا في كتابة قصيدة النثر، ويعد من الجيل الثالث لكتابة هذه القصيدة إذ اعتبرنا الجيل الأول بدأ قبل الاتحاد وتوقف في عام 1980، أما الجيل الثاني فقد بدأ الكتابة من عام 1980 وحتى عام 2010، والجيل الثالث من عام 2010 وحتى الآن، ويمكن أن نشير هنا إلى أن الشاعر البكر جود في إبداع القصيدة النبطية وكتب الشعر الفصيح أيضا.

ويشير د. الخواجة إلى أمر آخر، وهو أن إنجاز الزعابي الذي بدأ من عام 2015 وحتى صدور هذا الكتاب كان لافتاً كماً ونوعاً.

* تأمل

يقول د. الخواجة: لقد استطاع الزعابي أن يوغل في جسد قصيدة النثر، وأن يمنحها جواز سفر لكي تكتبه وتساكنه بأسلوب متميز، إذ لا يمكن أن تلحظ في شعره صورة مكررة عند أي شاعر آخر، وذلك بسبب مفرداته التي تخصه وطروحاته التي تستدعي التوقف والتأمل.

ويضيف: لقد تميز شعره بالتأمل والتوجه الفلسفي والفكرة الناقدة والخيال المبتكر الذي يتماهى مع الهدف ليشكل صورة الحاضر، ويعانق الدهشة التي تستريح على أكمام العبرة والشاعرية الموارة بالحركة.

ويرى د. الخواجة أن شعر الزعابي لا يركز على الفكرة فقط، بل يستدعي عناصر الحياة ويجعل الزمكانية بيئتها ليوقد شمعة من أجل أن تنار الحياة ويجعل الزمكانية بيئتها ليوقد شمعة من أجل أن تنار الأوراد وينبض القلب.

لقد جود ناصر البكر في قصيدته النثرية ومؤلفاته الأخرى مما يدفع المتابع والناقد إلى الإضاءة على إبداعه بثقة واطمئنان.

جاء الفصل الأول بعنوان: «لناصر البكر الزعابي تفتح بوح النفس وتوقظ غفوة الضياع» وفيه يقرأ د. الخواجة المجموعة الشعرية «حجر النافذة» للشاعر، حيث يقول:«من اللافت أن يكتب شاعر مجموعة كاملة عن أبيه باعتبار أن أكثر ما ورد في مكتبتنا العربية الشعرية قصائد رثاء حول الأب أو الأم أو الابن أو الصديق، واعتبر د. الخواجة أن ما يميز هذه المجموعة هو: كيف استطاع الزعابي أن يكتب ديواناً من الشعر حول موضوع واحد دون أن يكرر نفسه ودون أن ينحدر نحو الابتذال والتكرار والخطابية والفجاجة؟.

* العقل والعاطفة

إن أول ما يمكن أن ينطبع في ذاكرة قارئ المجموعة هو هذا التماهي بين العقلانية والعاطفة وهذا التخطيط الفكري تحت مظلة الإبداع، فالشاعر البكر لا يريد أن يوظف عاطفته لترسم الإبداع أولاً وتحكي حكاية زمن زركشته ذكريات فيها من المعاني والدلالات الكثير الكثير.

ثمة أفكار كثيرة طرحها الشاعر في المجموعة تتجاوز النظرة الضيقة ليخرج من الذاتية إلى الموضوعية ومن معاناة الأنا إلى النحن من دائرة الزمكانية المغلقة إلى فضاءات تحتمل أكثر من دلالة وأكثر من معنى.

كل ذلك بغاية الوصول إلى شمولية الفكرة والأحاسيس تجاه الأبوة.

نعم البحر صديق الأمل والألم وصديق الوعد والعطاء.. هل هو صديق الأب المعطاء؟ أو أن والده بحر آخر في العمل والإنجاز؟

* المتعة والجمال

يقول د. الخواجه: يحار المتلقي حين يقرأ هذه المجموعة وتأتي الحيرة من تركيز الشاعر على المصطلح السهل الممتنع بحيث يشعر القارئ أن النثرية ظللت أهداب القصائد كلها، وأن الشاعر ابتعد إلى حد ما عن الشاعرية ولعل ذلك يعود إلى الاهتمام بعاطفته المتدفقة تجاه والده الذي كان قامة علمية وإنسانية ومثالا وقدوة والحقيقة غير ذلك، لأن الشاعر أمسك بناصية السهل الممتنع بقوة وعمل على تقريب المسافة بينه وبين المتلقي غير آبه بالأنساق الخارجية لأن ما يشغله ثلاثة أمور: التكثيف والدلالة والإيحاء.

جاء الفصل الثاني بعنوان «تجليات المرآة في عناقيد المشتهى» وفيه يقارب د. الخواجة مجموعة الزعابي الشعرية «تركت وجهي في المرآة».

ومما قاله: «لقد نأى البكري بقصائده عن تجاذبات التقليد والتكرار لأنه يصر في إبداعه على أن تكون تجربته متماهية ومندمجة مع الشاعرية والشفافية المطلقة والمصداقية العامرة بالرؤى.. وهو يسعى إلى مد بؤرة لغته الشعرية بالحركة لتنصهر فيها التجربة والمعاناة مع عناصر إبداعية أخرى مستعيناً في ذلك بأحداث واقعية وخيالات مبتكرة، ليقدم للقارئ تكوينات ساحرة من الجمال تؤثر وتمتع قي آن معاً».

ونقرأ في قصيدته «العدو الوهمي»:

«حرب في قلب امرأة / مدار النار ليس الكل / جنود تعساء بلا ذخيرة ّ / المنفرون / يخرجون من الكهوف / الميادين خاوية / رأس الجسر القديم / مهزلة عقلية محمومة السواد / في انتظار العدو الوهمي / الأزهار تستغيث».

ويخلص د. الخواجة إلى القول: «ناصر الزعابي ليس رقما بين شعراء قصيدة النثر، إنه شاعر يصر على تشابك قصيدته مع الواقع والخيال في جدلية ساحرة، فهو يعمل على الانتقال والتقابل والتوازي بفتنة الشاعر الذي ينظر إلى الواقع بعين الخيال، وينقل الحقيقة إلى فانتازيا، ويضفي على صوره ورؤاه كيانا واقعيا، وفي كثير من الأحيان يخلط الأوراق بمهارة الساحر، ثم يعيد الترتيب على مسرح الحياة، سعيا وراء قيم أبادها البعض، وهجرها البعض الآخر».

الصورة
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4cejzjcm

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"