عادي

رسالة الإصلاح

22:51 مساء
قراءة دقيقتين
أحمد حلمي

أحمد حلمي سيف النصر

الإسلام لا ينحصر في العقيدة والعبادة فقط، بل يمتد ليصبغ الحياة كلها (صِبْغَةَ اللّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ)، ويتسع ليكون رسالة لإصلاح المجتمع، وسياسة الدولة، وبناء الأمة، ونهضة الشعوب، وتجديد الحياة، تماماً مثلما أنه عقيدة وشريعة، ودعوة ودولة، وسلام وجهاد، وحق وقوة، وعبادة ومعاملة، ودين ودنيا، ذلك أن الإسلام هو «الرسالة التي امتدت طولاً حتى شملت آباد الزمن، وامتدت عرضاً حتى انتظمت آفاق الأمم، وامتدت عمقاً حتى استوعبت شؤون الدنيا والآخرة».

إن التصور الإسلامي الصحيح يدرك أن تكاليف الإسلام ليست كلها على درجة واحدة من الأهمية بل فيها ما هو فرض و ما هو نافلة، فيها المتعدي النفع وفيها اللازم، فيها ما هو كلي وفيها ما هو جزئي، والنظرة الوسطية تقتضي أن نقدم الفرض على النافلة، والمتعدي النفع على اللازم والكلي على الجزئي.

وسطية الإسلام في العلاقات الإنسانية، بين التصلب والليونة، لا تكن ليناً فتعصر ولا يابساً فتكسر، بين الحب والبغض فإذا أحببت فلا تفرط وإذا أبغضت فلا تشطط، وفي البعد والقرب عن الناس والمجتمع، فعن علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، أنه قال: خير الناس النمط الأوسط يلحق بهم التالي ويرجع إليهم الغالي. (لسان العرب ج7 ص429). وقال لقمان لابنه: يا بني لا تقترب فيكون أبعد لك.. ولا تبتعد فتهان.

والوسطية لازمة في السلوك بين التباطؤ والهرولة، أو بين خفض الصوت وارتفاعه، في هذا قال تعالى: (واقصد في مشيك واغضض من صوتك). لقمان 19.

والوسطية أيضاً عند القراءة في الصلاة بين الجهر والإخفات حيث يقول تعالى:«ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلاً». الإسراء 110.

إن معرفة الأولى وإنجازه وتقديمه على ما هو دونه في الأولوية، أمر في غاية الأهمية وغيابه يوقع الناس في الكثير من السلبيات التي من أهمها: أولاً: الاستغراق بالجزئيات والتفاصيل والانشغال بها عن الكليات والعجز عن رد الجزئيات إلى كلياتها والفروع إلى أصولها، وفهم العلاقة الدقيقة بينها.

ثانياً: تقديم النوافل على الفرائض، أو التحسينيات على الحاجيات، أو الحاجيات على الضروريات في مختلف جوانب الحيا،ة وذلك لافتقاد المنهجية الهادية والافتقار إلى التفكير العلمي الرصين، والنظر الموضوعي المنضبط.

ثالثاً: الميل إلى تجاوز الأسباب، وعدم الحرص على الأخذ بها اعتماداً على متوهَّمٍ مع تجاهل أن الارتباط بين الأسباب والمسببات ارتباط سُنن «ولن تجد لسُنة الله تبديلاً». الفتح 23، «ولا تجد لسنتنا تحويلاً». الإسراء 77.

رابعاً: عدم التفريق بين الحق والرجال، الأمر الذي يؤدي إلى رفض الحق إن جاء من غير ثقة، أو قبول الباطل إن صدر من ثقة، «وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيراً ما سبقونا إليه، فإذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم». الأحقاف 11

خامساً: الخلط بين ما هو ثابت وما هو متغيّر، فكثير من المتغيرات أصبحت ثوابت نسبة لذيوعها، وكثير من الثوابت حُوّلت إلى متغيرات نسبة للجهل بها.

سادساً: عند غياب أسبقيات الفهم تحدث ممارسات خاطئة كثيرة تنطلق من اضطراب المفاهيم وبعدها عن الوسطية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yt9xnh4r

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"