الأمن الغذائي وشبح المجاعة

00:39 صباحا
قراءة 3 دقائق

د.إدريس لكريني

مرّ العالم خلال السنوات الأخيرة بمجموعة من المحطات الصعبة التي كان لها الأثر الكبير في بلورة مفهوم متطور وشامل للأمن، وفي إعادة ترتيب الأولويات بالنسبة لعدد من الدول في هذا الخصوص.

 ففي الوقت الذي تحوّل فيه الأمن الصّحي إلى هاجس عالمي، تحت ضغط جائحة كورونا وما فرضته من قيود وآثار اجتماعية ونفسية واقتصادية غير مسبوقة، أعادت الحرب الروسية الجارية في أوكرانيا موضوع الأمن الغذائي بقوّة إلى الواجهة الدولية، كأحد الرهانات الكبرى في عالم مهدّد بالمجاعات.

 يحيل الأمن الغذائي إلى تلك الحالة التي يكون بإمكان الأفراد داخل مجتمع ما، تلبية حاجياتهم من الغذاء الكافي والصحي بصورة منتظمة. وهو يرتبط في جزء كبير منه بالحق في الغذاء، الذي لا يقتصر فقط على إمكانية حصول الفرد على حدود دنيا من المواد والسعرات الكفيلة بتلبية حاجات الجسم، بل بمسؤولية الدول أيضاً في اعتماد إجراءات تضمن كفالة التمتع بهذا الحق، في الأوقات العادية، وخلال فترات الأزمات والكوارث المختلفة، انسجاماً مع المواثيق الدولية، وبخاصة منها العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

 إن احترام المعايير الدولية لحقوق الإنسان في هذا الخصوص، تقتضي من الدول، العمل على توفير الغذاء وضمان وصوله بصورة ميسّرة إلى المواطنين ودون تمييز، وصد كل التوجهات الرامية إلى احتكاره أو تكريس ندرته.

 ووعياً بأهمية تحقيق هذا الرهان، جعلت الأمم المتحدة من القضاء على كل أشكال الجوع وانعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية، على رأس قائمة أهداف التنمية المستدامة بحلول عام 2030.

 وعلى الرغم من ذلك، تشير إحصائيات صادرة عن الأمم المتحدة إلى أن العالم أصبح ينأى عن تحقيق هذا الرهان، وبخاصة أن عدد الأشخاص الذين يعانون الجوع عبر العالم، ارتفع إلى حوالي 828 مليون شخص في عام 2021 أي بنسبة تقدر ب10 في المئة من ساكنة العالم، وذلك بزيادة تقدر ب46 مليون شخص منذ عام 2020 و150 مليون شخص منذ تفشي جائحة كورونا.

 وتعد المنطقة العربية التي تزخر بإمكانات بشرية وثروات طبيعية هائلة، من ضمن أكثر المناطق المعنية بالتهديدات التي تلاحق الأمن الغذائي عبر العالم، حيث تحدثت تقارير صادرة عن برنامج الأغذية العالمي ومنظمة الأغذية والزراعة، عن ستّ دول عربية تعاني صعوبات وأزمات غذائية، تتطلب اتخاذ تدابير على قدر من النجاعة والاستعجال.

 وأخذاً بعين الاعتبار لحجم الواردات من المواد الغذائية والزراعية التي اعتادت الكثير من الدول في مناطق مختلفة من العالم، جلبها من أوكرانيا وروسيا، باعتبارهما من ضمن أهم الدول المنتجة والمصدرة للحبوب، فإن واقع الحرب المشتعلة داخل الأراضي الأوكرانية، يجعل الكثير من البلدان معرضة بشكل جدّي لصعوبات اجتماعية واقتصادية وغذائية، مع الارتفاع المهول الذي يطال أسعار المنتجات الغذائية، والأسمدة ومصادر الطاقة.

 وانطلاقاً من انعكاسات هذه الحرب التي ما زال أفقها مشوباً بالغموض، إلى جانب التغيرات المناخية التي تلقي بظلالها القاتمة على كوكب الأرض، والإشكالات والأزمات الاقتصادية المتراكمة، التي تعانيها الكثير من الدول، إضافة إلى اختلالات السياسات العمومية التي تعمّق معاناة بعض الفئات داخل المجتمعات، وعدم وصول الدعم الذي تخصصه بعض الدول لقطاعات التغذية والفلاحة إلى الفئات المعنية، يبدو أن كسب رهان القضاء على الجوع في العالم بحلول عام 2030، مازال أمراً صعب المنال، بل مستحيلاً، ما لم يتم اعتماد تدابير وطنية استراتيجية، وأخرى دولية على قدر عال من التنسيق والتعاون، لمواجهة شبح المجاعات وكل التهديدات التي تلاحق الأمن الغذائي بصورة جدّية.

 وانطلاقاً من المعطيات السابقة، تؤكد الكثير من التقارير الصادرة عن المؤسسات المالية العالمية كالبنك الدولي، أن الارتفاع الحاصل في أسعار المواد الغذائية، لا يتعلق بمحطة عابرة، بل بأزمة معقدة يمكن أن تطول كثيراً، وتخلّف المزيد من المآسي التي تعمّق الفقر والهشاشة وتدفع نحو الهجرة القسرية، ما لم يتم اعتماد تدابير فعالة ومستدامة في هذا الصدد.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2p8s46hb

عن الكاتب

​باحث أكاديمي من المغرب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"