وما فائدة الندم؟

00:18 صباحا
قراءة دقيقتين

وليد عثمان

رأينا سوابق كثيرة لاعتذارات الدول، أو الأنظمة، عن ممارسات سياسية اعتبرت حمقاء أو غير موفقة في حق دول أخرى وجماعات أو حتى أفراد لهم قيمتهم الاعتبارية في مسار التاريخ.

عرفنا اعتذارات سريعة عن خطأ عرضي تخلل أداء سياسياً أو علاقات دبلوماسية. وتظهر على فترات متباعدة، اعتذارات عن وقائع ربما مر عليها عقود، وأغلبها يأتي من دول لعبت دور المحتل الذي ارتكب في حق ضحاياه، فظائع لا يطويها النسيان، ولا الأسف، لكن غياب هؤلاء الضحايا عن الحياة، وتجاوز مجتمعاتهم آثار الاحتلال، يسهلان قبول الاعتذار، هرباً من ذكريات سيئة، وأملاً في التركيز على المستقبل.

وسط كل ذلك، تفردت الولايات المتحدة بنمط من الاعتذار الموارب المستهتر بمجريات التاريخ، والذي ينطوي على حماقة التملص من تصرفات قريبة زمنياً، ولا تزال تفاعلاتها وآثارها المدمرة ماثلة.

عجيب في الاعتذار الأمريكي  وهو فعل نادر سواء صدر من مسؤولين أو مؤسسات  رهانه الخائب على أن ذاكرة الكل مثقوبة، أو قابلة للمحو السريع بضغطة زر، ولن تقارن بين الاستماتة في الدفاع عن تصرف وحشد كل ما يمكن لتبريره ثم الإقرار بخطئه وكأن شيئاً لم يحدث.

كل ما جرى في العراق من خطايا، بُني على كذبة أراد لنا البعض نسيانها، لمجرد أن كولن باول شعر بالندم، وهل أعاد ندمه روح عراقي دُفعت ثمناً للكذبة؟

الآن، يقر البيت الأبيض أن أن إدارة الرئيس جو بايدن ارتكبت خطأ فيما يتعلق بالانسحاب المفاجئ من أفغانستان في أغسطس/ آب عام 2021.

والإقرار بالخطأ هنا ليس مرده الدوامة التي يعيشها الشعب الأفغاني الحائر منذ سنوات بين الأيدي العابثة بدمه ومستقبله، وإنما ضغط الجمهوريين على إدارة بايدن، وجرّها إلى سلسلة تحقيقات حول الانسحاب من أفغانستان. 

تريد الإدارة الأمريكية أن تختصر عشرين عاماً أو أكثر من المآسي التي طاردت الشعب الأفغاني في جملة قصيرة بين قوسي بدء الحرب على «طالبان» لنجدة الأفغان، والانسحاب وإعادة مقاليد الأمور إلى الحركة.

هكذا تختصر الوقائع وما تختزنه من مآسٍ وجراح، وهكذا يمكن الدفاع عن الشيء ونقيضه بالدرجة نفسها من الاستماتة.

حين بدأت، لم يكن من بديل، في سياق التبرير الأمريكي لأي شيء، غير الحرب على «طالبان»، والتوغل في الجغرافيا الأفغانية، وبعد أكثر من عشرين عاماً، يقول مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض: إنّ الانسحاب كان قدراً محتوماً.

التقرير الذي أعلن البيت الأبيض أنّه سلّمه ل«الكونغرس» حول الانسحاب، يوجز المسألة فيما يشبه المؤامرة على بايدن؛ محورها الاتفاق المبرم بين إدارة سلفه دونالد ترامب و«طالبان».

«إن أياً من وكالات الاستخبارات الأمريكية لم يتوقع الانهيار السريع للقوات الحكومية الأفغانية» بعد الانسحاب الأمريكي، وفق التقرير، لكنها حين الدخول كانت قادرة على كشف أدق التفاصيل في كل مغارة أفغانية، مثلما كانت تبصر أسلحة الدمار الشامل المخبأة في بيوت العراقيين.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bdhm4572

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"