الحكمة قبل اليأس

00:10 صباحا
قراءة دقيقتين

وليد عثمان

فيما تواصل الدول إجلاء من تبقى من رعاياها ورعايا دول صديقة وشقيقة عبر مسارات عدة، لا تزال الحكمة غائبة، والأنكى أن الوضع الإنساني في السودان تدهور إلى «نقطة اللاعودة» بتعبير الأمم المتحدة.

 ومن غير التورط في توجيه اتهام لطرف، أو آخر، ولا الدخول في متاهة من البادئ، فهذا لا يفيد وقد وقعت الواقعة، فإن لا خلاف على أن منشأ الخلاف حكمة غائبة. لم تغب هذه الحكمة قبل نشوب الصراع بأيام وأسابيع، بل ربما بسنوات استنزفتها المماحكات والاجتماعات التي لا تفضي إلى شيء ويتبدد مع تكرارها أمل الاتفاق على كلمة سواء تجنّب السودانيين «نقطة اللاعودة».

 وهذا الوصف الذي نحتته الأمم المتحدة، تعبيراً عن يأس مما بلغته الأوضاع الإنسانية في السودان، ربما ينطوي على قدر كبير من اليأس المتولد من تفاصيل «الحياة» التي يختبرها من بقي في السودان الآن، لكنه يأس لا يصح الاستسلام له.

 معلوم أن ما يواجهه السودانيون وجه متجدد لما عاشه، ويعيشه، غيرهم في بعض الأقطار العربية، لكنّ واجبنا ألا ننجرّ إلا دائرة اليأس وألا نقع أسرى مفرداتها، ولو تعددت، فالحكمة الغائبة لا بد أن تعود وأن تكون بوصلة أي تفاهم، أياً كانت أطرافه.

 ولأن الحكمة قرين كل نهج إماراتي، فإن الدعوة إليها حضرت في الاتصال الهاتفي بين سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، نائب رئيس الدولة، والفريق أول الركن عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان.

 ومنذ بدأت الأزمة، وقبل هذا الاتصال، تعددت رسائل الإمارات الداعية إلى التعقل حفاظاً على وطن بأهمية السودان، التاريخية والجغرافية، وشعب بقيمة أبنائه.

 في الاتصال، شدد سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان على أهمية تغليب صوت الحكمة والحوار السلمي، وإعلاء مصالح السودان العليا، والحفاظ على أمنه واستقراره.

 ويترجم ذلك، مرة أخرى، حرص الإمارات على أن تنتهي الأزمة في السودان بإفساح المجال أمام ترجمة المبادرات السياسية السلمية الرامية إلى وقف التصعيد.

 ولا تنفصل هذه الدعوة عن جهود الإمارات الأخرى، بما فيها إجلاء الرعايا، وصور لدعم فعلي للشعب السوداني.

 وفي ذلك كله اتساق مع طبيعة الجهود التي يتعين على الجميع الاستمرار في بذلها، إنقاذاّ للشعب السوداني ووطنه قبل كل شيء، بدلاً من الارتكان للغة يائسة، وإن كانت تتوخى التعبير عما آلت إليه الأوضاع هناك، ودق جرس الإنذار من تحوّل الوضع إلى مأساة إنسانية.

 يورد كثيرون كل يوم أدلة على اكتواء الشعب السوداني بنار تبعات الحرب رغم تعاقب الهدن، وكيف أن المرافق الصحية أصبحت عليلة، وأن الحصول على القوت يتساوى والموت في مناطق كثيرة..

 كل هذا وغيره مفهوم ومتوقع وباعث على التعاطف الإنساني والأخوي، لكنه مرشح للتفاقم إن لم تكن رغبة انتشال الشعب السوداني من دائرة جهنمية قبل اتساعها، أعلى صوتاً من الانشغال بإحصاء خيباته، وخيباتنا، اللحظية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/592d5udd

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"