عادي

الزكاة

23:27 مساء
قراءة دقيقتين
أحمد حلمي

أحمد حلمي سيف النصر

لو طُبِّقت الزكاة، كما أرادها الإسلام، لما اقتصر أثرها على عدد محدود من أفراد المجتمع، فهي تستطيع أن تنقل المجتمع من التخلف إلى التقدم، وتقود خطى التنمية في كل مجتمع إسلامي، وهي ليست علاقة فردية بين غني وفقير، وإنما علاقة بين الدولة والمواطنين، فيجب على ولاة الأمر أن يأخذوا الزكاة من الأغنياء للإنفاق على المشروعات التي تنقل الفقراء إلى مستوى الأغنياء، وهي لا تُعطَى معونة مؤقتة، وإنما لتحقق غنى كاملاً.

يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه للعاملين على الزكاة: «إذا أعطيتم فأغنوا»، ويقول النووي: «يُعطى الفقير والمسكين ما ينقله من الفقر إلى الغنى، دون أن يعود فقيراً مرة أخرى».

ويبقى الاقتصاد الإسلامي، ممثلاً الوسطية بين الموقفين المتطرفَين للرأسمالية والاشتراكية، فالاقتصاد الاشتراكي أو الماركسي كان قمة للنزعة المادية في الاقتصاد، وانهار هذا الاقتصاد بسبب قيامه على مبادئ وأصول غير صحيحة، والاقتصاد الرأسمالي ليس بأفضل من الأخير، فالرأسمالي يمثِّل النزعة المادية والاشتراكية كانت تمثل قمة هذه النزعة، وليس بقاء الرأسمالي بعد الاشتراكي دليلاً على صلاحيته.

والمسلمون هم أول من توقّع انهيار الاقتصاد الماركسي، فعلى سبيل المثال المرحوم عباس محمود العقاد في كتابه «حقيقة الشيوعية»، يقول: «وهم من نفس المنطلق يتوقعون انهيار الرأسمالية؛ لأنها ليست بأفضل كثيراً من الاشتراكية، فكلاهما متطرف؛ إذ تقف الرأسمالية على أقصى اليمين، بينما وقفت الاشتراكية على أقصى اليسار كرد فعل لمساوئ الرأسمالية».

ومن رحمة الله بنا أن حدّد لنا الأصول والمبادئ العامة في كل مجال، وترك للبشر مهمة اشتقاق الصورة العصرية المناسبة كلَّ عصر، فالاقتصاد الإسلامي لو تبنيناه يمكن أن نشتق له صورة تناسب المستوى الذي وصل إليه المجتمع العصري، إن المشكلة في جمود المسلمين وليس في جمود الإسلام، والإسلام ظلَّ يستجيب للمجتمع في كل مستوياته في العصر الأول، ثم الحضارة الزاهرة أيام العباسيين والأندلس، ويمكن الآن أن يستجيب لحياتنا المعاصرة، إذا استطعنا أن نتعامل معه بالطريقة التي يجب أن نتعامل بها.

والذي ينقصنا، كي تكون لنا تجربة اقتصادية متكاملة، هو الإرادة والرغبة في أن يكون لنا كيان مستقل، لقد غفلنا عن أننا الأمة الوسط الشاهدة على الآخرين التي تلقت الكلمة الأخيرة من الله تعالى، وعندما تمسكنا بها قطعنا خطوات وسجلنا في سجل الحضارة صفحات وضَّاءة، ثم غَفَوْنا حتى سبقنا من كان شوطهم دون خطونا.

فبالإرادة والرغبة في تحقيق الشهود والحضارة ومزاحمة الآخرين في هذه الدنيا، يمكننا إقامة تجربتنا الاقتصادية الخاصة بنا، وإذا ظللنا نجري وراء الأفكار المستوردة فلن نفعل شيئاً.

ورحم الله مالك بن نبي الذي يقول: «إن الأمة التي لا تبدع أفكارها، لا تستطيع أن تستولد المنتجات اللازمة لحياتها، ولن تتشيد نهضة بأفكار مستوردة»، لابد إذن من العودة إلى هويتنا الإسلامية والاعتزاز بالله ورسالة الإسلام، حتى تتحقق لنا التجربة الاقتصادية المتكاملة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/29euwmtp

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"