ليبيا ومعضلة الانتخابات

00:57 صباحا
قراءة 3 دقائق

كمال بالهادي

يبدو أن اتفاق بوزنيقة الأخير، والذي تم من خلاله وضع مبادئ أساسية للقوانين الانتخابية الليبية، سيجد نفس مصير الاتفاقات السابقة والتي فشلت في وضع إطار عام، يفضي إلى انتخابات شاملة رئاسية وبرلمانية، يحدد من خلالها الشعب الليبي مصيره عبر صناديق الاقتراع، وينهي مرحلة من الفوضى امتدت على نحو 12 سنة.

 المشكلة الكبرى في ليبيا أنّ القرار ليس سيادياً، وأنّ الأطراف السياسية المتحكمة في المشهد الآن، تتصارع من أجل استدامة سيطرتها عليه بعد الانتخابات. والمعضلة كلها تتمحور حول شخصية سياسية تعارض الولايات المتحدة وبريطانيا وجودها في المسار الانتخابي، وهي شخصية سيف الإسلام القذافي.

 الحقيقة أن جملة التغييرات والتوافقات التي يجتمع عليها الليبيون، ويتدخل فيها كل من هب ودبّ، تتمحور حول هذه الشخصية السياسية والتي كانت هي السبب القاهر الذي عطل انتخابات يناير/كانون الثاني من سنة 2021. وبالرغم من أن القضاء الليبي قال كلمته الفصل ومنح سيف الإسلام حق الترشح للانتخابات الرئاسية، إلاّ أنّ قوى دولية وضعت الفيتو أمام ترشحه. فالسفيرة البريطانية في ليبيا قالت صراحة معبّرة عن موقف بلادها من هذه الشخصية السياسية: «نحن لن نتعامل مع سيف الإسلام، لو ترشح للانتخابات الرئاسية وفاز فيها»، والموقف الأمريكي يرفض أيضاً ترشح سيف الإسلام، بسبب «متابعته من القضاء الدولي»، وهذا الموقف صريح، ولكن يبدو أنّ أبعاد الرفض  وأبعاد تعطيل الانتخابات هي أعمق من ذلك بكثير، وتتعلق بالتنافس الدولي على ليبيا، خاصة بين روسيا والدول الأوروبية والولايات المتحدة. وهذه المعضلة كفيلة بأن تجعل الانتخابات، خاصة الرئاسية، أمراً شبه مستحيل، لأن مكونات اللعبة السياسية في ليبيا حتى وإن توافقت على قوانين انتخابية وأقرها البرلمان، فإنّ القوى التي عطلت انتخابات 2021، ستعمل على إفشال هذا المسار، وهيئة الانتخابات الليبية ليس لها القوة، ما يجعلها تفرض الاستحقاق الانتخابي فرضاً. وهنا توضع عوائق أخرى أمام المتوافقين من الليبيين، فتعيد المشهد برمته إلى نقطة الصفر. وهذه المرة أصبح المبعوث الأممي إلى ليبيا عبد الله باتيلي شخصية إشكالية خاصة بعد تقديمه إحاطة أمام مجلس الأمن أكد فيها عدم وجود توافقات حقيقية، ورأى فيها كثير من الليبيين انحيازاً واضحاً لحكومة عبد الحميد الدبيبة.

 عضو لجنة ( 6+6 ) عن مجلس النواب ميلود الأسود، قال في تصريحات إعلامية إن «ما حدث من باتيلي في مجلس الأمن هو دفاع واضح عن حكومة الدبيبة». مضيفاً «إن باتيلي لن يقدم أي حل للمشهد الحاصل، وهو عاجز عن فعل أي شيء منذ تعيينه مبعوثاً أممياً إلى ليبيا وأصبح يقوم بإدارة الأزمة وليس حلها». وشدد قائلاً: «أصبح من الواضح حجم الإرباك الذي سببته لجنة 6+6 بنجاحها في الوصول لحلول وقوانين انتخابية توافقية، ومن ينتقدها يقدم حججاً واهية فقط». 

 ومثل هذا الرأي نجده عند الكثيرين من أعضاء مجلس النواب أو الدولة أو غيرها من الأطياف السياسية الليبية، حتى تلك المتباعدة في المواقف. ومن جانبه قال عضو مجلس النواب جاب الله الشيباني: «إن إحاطة باتيلي أمام مجلس الأمن كانت دبلوماسية باهتة، لم توضح شيئاً ولم تضع نقطة على حرف، لكن يفهم من بين سطورها، أنه لا يوافق على ما جاءت به لجنة 6+6 وعلى رأسها انتخاب الرئيس، وتشكيل حكومة موحدة، للإشراف على الانتخابات». ورأى في موقفه تناغماً مع ممثل الولايات المتحدة الذي شدد على ضرورة التنسيق مع باتيلي، لتوفير مناخ مناسب لإجراء الانتخابات. وختم حديثه بالقول: «العالم لم يتفق على حل أزمتنا، ونحن نساعدهم على ذلك». وللأسف الشديد الليبيون لا يستطيعون حسم موقف وطني موحد من كل القضايا التي دمرت ليبيا في السنوات الماضية، نظراً لارتباطات الأطراف الداخلية بقوى خارجية ما يجعل الحسم أمراً مستحيلاً.

 والخلاصة أن الطبقة السياسية الليبية توجد بين المطرقة والسندان، فهي بين مطرقة شعب ليبي يريد انتخابات يشارك فيها الجميع ودون إقصاء لأحد، ومن بينهم سيف القذافي، وبين ضغوط دولية ( أمريكية وبريطانية) رافضة وبشكل قطعي لهذه الشخصية السياسية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2p82jd6w

عن الكاتب

كاتب صحفي وباحث في قسم الحضارة بجامعة تونس

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"