هذا الفيض من النقد إلى أين يقود؟

00:14 صباحا
قراءة 3 دقائق

د.علي فخرو
لا يساوي إصدارات كتب الزخم والتنوع وفي حمل شتى مشاعر القلق واليأس المتعلقة بالفرد الحديث، إلا ما يماثلها من إصدارات كتب تتعلق بأوضاع المجتمعات الإنسانية، فرادى وتجمعات، وفي ما يسمى بالعالم المتقدم أو ما يسمى بالعالم النامي.

على سبيل المثال فقط، دعنا نذكر عدداً صغيراً من العناوين اللافتة للنظر.

«الأخلاقية» للكاتب جوناثان ساكس، يحاول فيه أن ينعى غياب المصلحة العامة الطيبة بين البشر على المستويين، المحلي والعالمي، في أوقات الانقسامات الحادة التي تشهدها البشرية بشكل متزايد، حالياً.

ريبيكا سولنت، تضع كتاباً بعنوان «سمّهم بأسمهم الحقيقي»، بعد أن أصبح التلفيق والكذب صفتين بارزتين من صفات العصر، خصوصاً في السياسة والإعلام.

نورينا هرتز، تكتب عن عصر الوحدة النفسي الذي شمل الملايين من البشر تحت عنوان «قرن الوحدة»، وهي تبرز أعداداً هائلة من الأسباب، وأعداداًَ هائلة من النتائج التي ستنقل البشرية إلى العيش في مشاعر اليأس والشقاء الروحي.

ريشارد ودانيال سسكند، يكتبان عن تباشير المستقبل الأسود لشتى المهن، تحت عنوان «مستقبل المهن»، ويستطيع الإنسان تصور الفوضى التي ستعيشها الأجيال القادمة، إذا غاب في حياتها تواجد الطبيب والمهندس والمعلم والمحامي والإعلامي الكلاسيكيين، وحلت محلهم الروبوتات والذكاء الاصطناعي، وما يشابهها، أو يزيد على قدرتها، فقدرات الشر في الذهن البشري لا حدود لها.

وإذا كانت العلوم ستصبح منبوذة بسبب ما فعله الإنسان بها، فلن نستغرب أن يضع، توم نيكولاس، كتاباً بعنوان «موت الخبير»، فإذا نعينا المعرفة فإننا حتماً سننعى ناقل المعرفة.

ومنذ فترة قصيرة وضع، جيمس بريدل، كتاباً لافتاً إلى أبعد الحدود، تحت عنوان «عصر الظلام الجديد»، إنه العصر الذي بدأ يطفئ أنوار مصابيح عصور الأنوار التي أشعلتها أوروبا منذ أكثر من ثلاثة قرون، والذين يقومون بعملية الإطفاء ليسوا من الذين يعيشون في العالم النامي، والمتأخر، وإنما هم من الذين يعيشون في أوروبا نفسها، وحيثما هاجروا إلى مناطق، مثل الولايات المتحدة وكندا وأستراليا، أو اغتصبوا فلسطين المحتلة.

نحن إذن، أمام رفضٍ لأنظمة هذا العالم، وأمام شكوك كثيرة حول ما كنا نعتقد أنها منجزات علمية وتكنولوجية كبرى، وترافق ذلك مشاعر الوحدة النفسية الوبائية، أو الانغلاق الذاتي الفردي الأناني العبثي، ويظهر أنه لا يوجد من يلعب دوراًَ قيادياً كما كان يحدث من قبل، يُخرج الوضع الإنساني من ورط كثيرة يعاني منها. مواجهة هذه الأمور التي يعتقد أنها تحتاج إلى إصلاح من قبل كتّاب واعين ملتزمين، ومجموعات صغيرة من قرائهم، خطوة مهمة ولكن ليست كافية، ومواجهتها على مستوى محلي لن يفيد إلا جزئياً، ذلك أن كل مثلب يشار إليه أصبح مثلباً عالمياً منتشراً عبر العالم كله.

منذ هبوب رياح الأفكار النيوليبرالية وما تبعها من تطبيقات من قبل أنظمة حكم مجنونة ومؤسسات دولية مخترقة، وعشرات من مثل تلك العناوين التي تصدر سنوياً، فإن هذه الرياح لا تمثل إلا رغوة تسبح من دون تأثير. المطلوب أكثر من ذلك بكثير.

في الماضي كانت هناك الأحزاب الإيديولوجية التي كانت لها مواقف تجاه ما يصيب البشرية. اليوم ضعفت تلك الأحزاب إلى أبعد الحدود ولم تحل مكانها مؤسسات جماهيرية منتظمة فعالة، وإنما مجموعات صغيرة متباعدة غير متعاضدة، سواء على المستوى المحلي، أو على المستوى العالمي، أو الإقليمي.

لقد أصبح الموضوع برمته في يد أقليات هيمنة مالية وأمنية وسياسية فاسدة عاجزة. وهو يطرح الكثير من الأسئلة علينا نحن العرب، وعلى غيرنا. وسنكون من المخطئين لو تجاهلنا تلك الأسئلة إلى حين انفجارها في وجوه الجميع.. هذا موضع يهم في الدرجة الأولى شابات و شباب الأمة العربية.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/572jjwd6

عن الكاتب

شغل منصب وزير الصحة ووزير التربية والتعليم سابقاً في البحرين. متخصص في كتابة مقالات في شؤون الصحة والتربية والسياسة والثقافة. وترأس في بداية الألفين مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث. كما أنه عضو لعدد من المنظمات والمؤسسات الفكرية العربية من بينها جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"