عادي
لا فائدة مرجوة من تقاذف الكرات بين مؤسسات التمويل

هـل ينتظـر العالـم ولادة نظـام مالـي جـديـد بعيـداً عـن الاختـلال؟

22:40 مساء
قراءة 8 دقائق
أمام مقر البنك الدولي

إعداد: محرر الأسواق العالمية

يبدو من الصعب تصنيف ما قاله الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، من «إن الوقت حان لإصلاح كل من مجلس الأمن الدولي ونظام بريتون وودز، بما يتماشى مع الواقع في عالم اليوم»، كرأي شخصي أو حتى موقف رسمي يستند إلى منصبه على راس هرم أهم مؤسسة أممية (الأمم المتحدة)؛ بل هو إحساس، وربما إقرار بامتياز، حول فشل النظام المالي العالمي، وبالتالي تزايد الحاجة ليس لإعادة إصلاحه وحسب؛ بل ربما لنسف الأسس التي بُني عليها أصلاً وإعادة هندسة نظام مالي عالمي جديد.

إن نظام «بريتون وودز»، الذي رأى النور إثر اتفاقية أبرمت بعد الحرب العالمية الثانية في الولايات المتحدة عام 1944؛ بهدف تحقيق الاستقرار في الاقتصاد العالمي، «عفا عليه الزمن، فهو مختل وغير عادل في مواجهة الصدمات الاقتصادية الناجمة عن جائحة كوفيد-19 والحرب في أوكرانيا، وفشل في أداء وظيفته الأساسية كشبكة أمان عالمية»، يقول الزعيم الأممي.

1
هـل ينتظـر العالـم ولادة نظـام مالـي جـديـد بعيـداً عـن الاختـلال؟

ظهرت على المسرح العالمي، بعد الحرب العالمية الثانية، ثلاث مؤسسات؛ هي: الأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، لتعلن بذلك تبلور نظام عالمي جديد، قيل فيه الكثير، لكن شريحة واسعة من الناس، حول العالم، تؤكد أن هذا النظام كان صدى وانعكاساً لإرادة المنتصر ورغباته، وقد كان ذلك أمراً واقعاً يومها، لكن الظروف قد تغيرت، ولم تعد خريطة التحالفات والتكتلات كما كانت في أربعينات القرن الفائت؛ لذا لا بد من تصحيح جملة الأخطاء المتراكمة، ولكن ماذا عن هذه الأخطاء، ومن يتبنى مشاريع الإصلاح، وهل هناك رأي عالمي موحد إزاء أية خطوات إصلاحية قد تحدث، على ضعف وهشاشة مثل هذا التصور أساساً؟

يقول غوتيريس: «إن صندوق النقد الدولي انتفعت به الدول الغنية بدلاً من الدول الفقيرة»، واصفاً استجابة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لجائحة كوفيد-19 بأنها فشل ذريع ترك عشرات البلدان مثقلة بالديون، وهي تصريحات لافتة أطلقها، قبيل اجتماعات دعا إليها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في باريس، مؤخراً، لمعالجة إصلاحات بنوك التنمية متعددة الأطراف وقضايا أخرى.

لم يعلق الصندوق أو البنك مباشرة على انتقادات الأمين العام ومقترحاته، لكن هذه التعليقات تعكس آراء كثيرين، حول العالم، يرون أن قيادة هاتين المؤسستين مقصورة على الدول القوية التي تسيطر عليهما، وهو وضع مشابه لوضع الأمم المتحدة التي واجهت دعوات لإصلاحها.

  • أصوات تتعالى

في حوار أجرته معه «أسوشيتد برس»، قال موريس كوجلر، أستاذ السياسة العامة في جامعة جورج ميسون: «إن فشل المؤسسات في مساعدة البلدان الأكثر احتياجاً، يعكس استمرار النهج من أعلى إلى أسفل؛ حيث يكون رئيس البنك الدولي، مواطناً أمريكياً، يعينه رئيس الولايات المتحدة، والمدير العام لصندوق النقد الدولي هو أحد مواطني الاتحاد الأوروبي، يُعين من قبل المفوضية الأوروبية».

فيما قال ريتشارد جوان، مدير مجموعة الأزمات الدولية في الأمم المتحدة: «إن هناك الكثير من الإحباط من سيطرة الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين على عملية صنع القرار، ما يترك للدول الإفريقية القليل من حقوق التصويت»، مشيراً إلى أن «الدول النامية تشكو أيضاً من ترجيح قواعد الإقراض للبنك ضدها»، وأن «من باب الإنصاف، ظل البنك يحاول تحديث إجراءات التمويل، لمعالجة هذه المخاوف، لكنه لم يذهب بعيداً بما يكفي لإرضاء البلدان في جنوب الكرة الأرضية».

  • تصحيح الأخطاء

هناك وعي آخذ بالتبلور والتشكل، حول العالم، بأن البيئة العالمية السياسية والاقتصادية والفكرية، التي نشأت فيها مؤسسات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، لمراقبة أسعار الصرف وإقراض العملات الاحتياطية للبلدان التي تعاني عجزاً في ميزان المدفوعات، والتي تحتاج إلى مساعدات مالية لإعادة الإعمار بعد الحرب، ولبناء اقتصادات البلدان الأقل نمواً، والأمم المتحدة (مشكلة مجلس الأمن)، لم تعد موجودة جملة وتفصيلاً، فنحن نرجع بالذاكرة إلى عام 1944؛ حيث الحلفاء المنتصرون على دول المحور (ألمانيا، إيطاليا)؛ وحيث إن عدداً كبيراً من الدول النامية والفقيرة، خاصة في الجنوب، ما زالت تعاني استعماراً ونهباً لمواردها؛ لذا «لقد حان الوقت لمجالس إدارات الصندوق والبنك لتصحيح الأخطاء التاريخية، والتحيز والظلم المتضمن في الهيكل المالي الدولي الحالي»، وفقاً لغوتيريس.

ويضيف الأمين العام للأمم المتحدة: «إن هذه المؤسسات لم تواكب النمو العالمي، فالبنك الدولي لديه 22 مليار دولار من رأس المال المدفوع، الأموال المستخدمة في قروض منخفضة الفائدة ومنح برامج التنمية الحكومية». وكنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، فهذا أقل من خمس مستوى التمويل لعام 1960. وفي الوقت ذاته، يمر العديد من البلدان النامية في أزمة مالية عميقة، تفاقمت بسبب التضخم، وارتفاع أسعار الفائدة، وتوقف تخفيف أعباء الدين. وهكذا يشير غوتيريس إلى أن «بعض الحكومات تُجبر على الاختيار بين سداد الديون أو التخلف عن السداد حتى تتمكن من دفع أجور العاملين في القطاع العام، ما قد يؤدي إلى تضرر تصنيفها الائتماني لسنوات مقبلة»، لافتاً إلى أن «إفريقيا الآن تنفق على تكاليف خدمة الديون أكثر من الرعاية الصحية».

  • ميل إلى الدول الغنية

ويذهب غوتيريس إلى حد الاتهام المباشر لهذه المؤسسات: «إن قواعد صندوق النقد الدولي، تميل بشكل غير عادل إلى الدول الغنية، فخلال وباء «كوفيد-19»، تلقت مجموعة الدول السبع الثرية، التي يبلغ عدد سكانها 772 مليون نسمة، ما يعادل 280 مليار دولار من صندوق النقد الدولي، بينما البلدان الأقل نمواً، التي يبلغ عدد سكانها 1.1 مليار نسمة، خصص لها ما يزيد قليلاً على 8 مليارات دولار»، واصفاً ذلك بأنه «أمر خطأ أخلاقياً»، وداعياً إلى «إصلاحات رئيسية من شأنها تعزيز تمثيل البلدان النامية في مجالس إدارات الصندوق والبنك، ومساعدة الدول على إعادة هيكلة الديون، وتغيير حصص صندوق النقد الدولي، وإعادة تنظيم استخدام أموال الصندوق»، و«زيادة التمويل من أجل التنمية الاقتصادية والتصدي لتأثير تغير المناخ».

وعند سؤال المتحدثة باسم صندوق النقد الدولي، جولي كوزاك، عن مقترحات غوتيريس في مؤتمر صحفي في 8 يونيو/ حزيران، قالت: «لست في وضع يسمح لي بالتعليق على أي من التفاصيل»، وأضافت: «إن مراجعة حصص صندوق النقد الدولي من الأولويات، ومن المتوقع أن تكتمل بحلول 15 ديسمبر/ كانون الأول».

  • يعكسان القيم الأمريكية

لا يخفي الأمريكان ولا يواربون في النظر إلى المؤسستين الماليتين (الصندوق والبنك) كمؤسستين تمثلان أمريكا وقيمها، فقد أكدت وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين، أن مؤسسات مالية دولية على غرار صندوق النقد الدولي والبنك الدولي «تعكس القيم الأمريكية»، وتشكّل قوى موازية «لعمليات الإقراض غير القابلة للاستدامة من جهات أخرى مثل الصين». وتسعى يلين التي أدلت بتصريحاتها أمام لجنة الخدمات المالية التابعة لمجلس النواب، للحصول على دعم من الكونغرس للولايات المتحدة، لإقراض هذا النوع من المنظمات بالمزيد من المال من أجل مساعدة البلدان النامية.

1
هـل ينتظـر العالـم ولادة نظـام مالـي جـديـد بعيـداً عـن الاختـلال؟

وقالت للنواب: «يعد دورنا القيادي في هذه المؤسسات من بين الطرق الأساسية للانخراط في الأسواق الناشئة والبلدان النامية». وتابعت أن المساعدات من المؤسسات المالية الدولية، تأتي مع «متطلبات قوية للحكومة والمحاسبة واستدامة الديون». وأضافت: «تشكّل قوة موازية للإقراض غير الشفاف وغير المستدام من جهات أخرى مثل الصين».

تأتي تصريحات يلين في ظل ارتفاع مستوى التوتر بين أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم، علماً بأنهما تتنافسان على النفوذ في الدول النامية.

في الوقت الحالي، قالت يلين: إن السلطات الأمريكية تسعى إلى الحصول على إذن لمواصلة المشاركة في «ترتيبات جديدة للاستدانة»، وهي شبكة أمان وضعها صندوق النقد الدولي لموارده، كما تسعى إلى الحصول على إذن، لإقراض صندوقين تابعين للمؤسسة مبلغاً تصل قيمته إلى 21 مليار دولار.

وأوضحت يلين أنها لا تعتقد بأن الصين يجب أن تكون مؤهلة للحصول على قروض من البنك الدولي، وبأن على واشنطن ألا تصوّت لمصلحة إقراض المصرف، المال للصين.

ولدى سؤاله عن تصريحات يلين، رد ناطق باسم الخارجية الصينية بالقول: إن «صندوق النقد الدولي ليس ملكاً للولايات المتحدة، ولا البنك الدولي».

عملت السلطات الأمريكية على إقناع دول أخرى لوقف هذا النوع من التمويل. وقالت يلين في ما يتعلق بالمسائل الأمنية «نتطلع إلى قيود محتملة على الاستثمارات في الخارج، والتي يمكن أن تتعلق بشركات الأسهم الخاصة التي تستثمر في شركات صينية مرتبطة بجيشهم».

وتابعت: «نشعر بالقلق من المخاطر المحتملة على الأمن القومي»، لكنها شددت على أن الوقــوف في طريـــق تقـــدّم الشعـــب الصيني لا يصب في مصلحــة الولايــات المتحـــــدة. وتابعــــت: «أعتقـــد أننا نكســـب إذا حاولنــا أن نحقــــق مكاســـب من تجـــارة واستثمـــار منفتحيـــن بأكبر قدر ممكن، وستكــون محاولتنــا فــك الارتباط مع الصين كارثية».

  • البنك الآسيوي

إذا تركنا الحديث عن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، قليلاً، وذهبنا شرقاً؛ حيث مجاهل آسيا وبنكها الشهي «البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية»، فإن الاتهامات الموجهة إليه لا تختلف كثيراً في الجوهر، وإن اختلفت بطبيعة وعدد اللاعبين، وهنا نتحدث عن «مخالب» الصين الحادة في توجيه، وربما «تسييس» الأنشطة والقروض المالية في هذه المؤسسة العملاقة، وفقاً لأجندات محددة يفرضها، بشكل أو بآخر التنين الصيني.

يقول مدير تنفيذي سابق في بنك (إي آي أي بي): «إنّ هذه المؤسسة التي يفترض أن تكون متعددة الأطراف، ليست كذلك؛ بل «تخدم مصالح» بكين، متهماً الحزب الشيوعي الصيني بممارسة نفوذ «مفرط» عليها».

وقال بوب بيكارد: «إنّ المصرف هو «مورد للأهداف الجيوسياسية لجمهورية الصين الشعبية، عملياً، أعتقد أنّه يخدم مصالح الصين»». وأضاف أن «أعضاء في الحزب الشيوعي الصيني، يهيمنون على المؤسسة التي تمول بشكل رئيسي، مشاريع تخدم مصلحة بكين. وأطلق بيكارد (58 عاماً) الكندي الذي كان مسؤولاً عن الاتصالات في البنك، هذه الاتهامات بعدما استقال من وظيفته مؤخراً، وغادر الصين بسرعة، لضمان أمنه».

ويتخذ البنك من بكين مقراً له، ويهدف إلى تمويل مشاريع للبنية التحتية في آسيا، وقد أنشئ عام 2016، بهدف مواجهة النفوذ الغربي في صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، ويضم أعضاء من 106 دول بينها فرنسا وألمانيا وكندا وأستراليا، لكن الولايات المتحدة ليست عضواً فيه، واختارت عدم المشاركة، لكنها تعبر عن قلقها بشأن إدارته وشفافيته.

وقال بيكارد: «إن المصرف وجه قروضه بشكل أساسي إلى الدول المشاركة في المبادرة الصينية الحزام والطريق»، ورأى أن هذه «ليست مشاريع منفصلة عن بعضها.. مبادرة الحزام والطريق والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية»، مبيناً أن «هذه أنواع متشابهة من البلدان التي تحاول الصين رعايتها سياسياً». وبعد سلسلة تغريدات هاجم فيها بيكارد المؤسسة المالية، قال: «البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية»، إن اتهاماته «لا أساس لها ومخيبة للآمال»، مؤكداً أنه «فخور بمهمتنا المتعددة الأطراف».

  • ترميم المنظمة الدولية

يأتي الضغط من غوتيريس لإصلاح صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، في الوقت الذي تواجه فيه الأمم المتحدة أيضاً مطالب بإصلاح هيكلها، الذي لا يزال يعكس النظام العالمي بعد الحرب العالمية الثانية.

وقال جوان، مدير مجموعة الأزمات الدولية في الأمم المتحدة: «إن عدداً من سفراء الأمم المتحدة، يعتقدون أن إصلاح الصندوق والبنك قد يكون أسهل بشكل هامشي، وأكثر فائدة للدول النامية من فكرة إصلاح مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، التي نوقشت، منذ أكثر من 40 عاماً».

وبينما يتحدث غوتيريس وسفراء الأمم المتحدة عن إصلاح المؤسسات المالية، فإن أية تغييرات تعود إلى مجالس إداراتهم. وأشار جوان إلى أنه عندما صممت إدارة أوباما إصلاح حقوق التصويت في صندوق النقد الدولي عام 2010، استغرق الكونغرس خمس سنوات للتصديق على الصفقة، والكونغرس الآن أكثر انقساماً واختلالاً في العمل.

وقال: «إن الحكومات الغربية، تدرك أن الصين هي جهة الإقراض المهيمنة بشكل متزايد على عديد البلدان النامية؛ لذلك لديها مصلحة في إصلاح الدوليين بطرق تمنع الدول الفقيرة من الاعتماد على بكين للحصول على القروض».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/25kt43ke

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"