صراع خطر

00:33 صباحا
قراءة دقيقتين

علي قباجه

لم تكن الهدنة في شبه الجزيرة الكورية في 27 يوليو/ تموز 1953 بداية لعهد جديد تنخفض فيه التوترات، ويبدأ فيه الطرفان بالبحث عن نقاط مشتركة؛ بهدف استعادة الثقة والاحترام والتعاون بينهما أو على أقل تقدير وضع حد للمماحكات العسكرية؛ بحيث يسود الهدوء المنطقة، ويتطلع أبناؤها إلى مستقبل خالٍ من التهديد، والتهديد المضاد؛ بل كان التوقيع فصلاً جديداً للصراع بين الدولتين المدعومتين من دول كبرى متنافسة، تسعى إلى تغليب مصالحها حتى لو كان ذلك على حساب أصحاب الأرض.

الهدنة التي ولدت ميتة لم تضع النقاط على الحروف، ولم ترسم خريطة طريق لحل جذري لشبه الجزيرة الكورية؛ إذ منذ البداية اتخذت كوريا الجنوبية موقفاً منها، وهو ما تسبب بتوتر دائم على مدى السنوات الماضية، ليشتد في الآونة الأخيرة، ويبلغ ذروته، عبر تهديد الأطراف كافة بأن شرارة الحرب قد تشتعل في أي وقت؛ إذ إن كوريا الشمالية من جانبها بعثت برسالة تهديد لا مواربة فيها، باللجوء إلى السلاح النووي في حال الدخول بأي نزاع، وهو ما أثار حفيظة واشنطن الحليف الاستراتيجي لكوريا الجنوبية التي تلقفت الرسالة على أنها لي ذراع لها ولحلفائها، ولم تقابل التهديدات الشمالية كلامياً فقط؛ بل أرادت مزيداً من الاستفزاز لبيونغ يانغ، فحركت غواصة تعمل بالطاقة النووية، وبدأت بإرسال طائرات التجسس المسيّرة، لاختراق المجال الجوي لكوريا الشمالية، وجعلت الآلاف من جنودها على أهبة الاستعداد بأي لحظة في حال الدخول بمواجهة عسكرية.

الإدارات الأمريكية المتعاقبة حاولت مرات عدة استفزاز بيونغ يانغ، والضغط عليها للجلوس إلى طاولة التفاوض، والإذعان لشروطها، عبر التدريبات العسكرية مع جارتها الجنوبية، ومحاصرتها اقتصادياً، غير أن تلك المحاولات باءت بالفشل لسببين رئيسيين؛ أولهما أن بيونغ يانغ دولة نووية وبالتالي فإنها إذا أرادت الجلوس إلى طاولة التفاوض، فإنها تجلس نداً لغيرها، وليست تابعة له، تنتظر منه أن يملي عليها ما يشاء من شروطه، وثانيهما أنها تمتلك حليفين استراتيجيين لهما ثقلهما في العالم، وهما روسيا والصين وبالتالي فمن الصعب؛ بل ربما من المستحيل أن يكون من السهل إملاء الشروط عليها.

خفض التهديد النووي في شبه الجزيرة الكورية، ليس مستحيلاً، فقد نجحت إدارة ترامب في الوصول إلى شبه اتفاق، لكن إدارة بايدن التي رفضت منذ البداية الحوار، واتخذت التهديد سلاحاً لها، عبر القواعد الأمريكية هناك والتي باتت عامل تهديد مباشر ليس لكوريا فحسب؛ بل حتى للصين وهو ما يؤزم الموقف ويذكي نار الحرب من جديد، ومن المؤكد أن الحرب النووية في حال استعرت فإنها لن تقف عند حدود شبه الجزيرة الكورية؛ بل إنها ستطال العالم، وستضع البشرية بأسرها في موضع لا تحمد عاقبته، وإلى ذلك الوقت سيبقى الجميع مترقباً إما بتوقيع هدنة تماثل هدنة 1953، وإما أن يضع أحد الأطراف المتنازعة يده على الزناد منهياً حياة ملايين البشر.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2zcce93b

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"