عادي

الهجرة النبوية.. دروس وعبر للحاضر والمستقبل

23:49 مساء
قراءة 4 دقائق

القاهرة: بسيوني الحلواني

أكد علماء الإسلام أن الهجرة النبوية حدث تاريخي يرسخ في حياة المسلمين مجموعة من القيم والمفاهيم المهمة من خلال استحضار ما شهدته من تخطيط دقيق، وأخذ بالأسباب، فضلًا عما تبعث به أحداث هذه الرحلة من رسائل حياتية مهمة؛ تتمثل في البعد عن اليأس، والاستمساك بالأمل، والتوكل على الله مع العمل.

الصورة

يؤكد د. محمد مختار جمعة وزير الأوقاف المصري، ورئيس المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، أن هجرة الحبيب صلى الله عليه وسلم، حدث يرسخ الثقة في نصر الله، مملوء بالدروس والعبر لحاضر المسلمين ومستقبلهم، وأول هذه الدروس هو أن من كان مع الله عز وجل كان الله معه، ومن كان الله عز وجل معه فلا يحزن، ولا يجزع، ولا يضيق، ولا ييأس.

ويضيف: «لقد تجلى أثر هذه المعية والتأييد الإلهي لحبيبنا صلى الله عليه وسلم في كل مراحل الهجرة، من لحظة انطلاقه من داره بمكة المكرمة إلى المدينة المنورة، وتجلت هذه المعية في أعلى صورها فيما يصوره القرآن الكريم في قول الحق سبحانه وتعالى: «إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ»، وذلك حينما تتبع المشركون النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه حتى وقفوا على مشارف الغار الذي كانا فيه، فقال الصديق -رضي الله عنه- لحبيبنا صلى الله عليه وسلم: فداك أبي وأمي يا رسول الله، لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟ يا أبا بكر لا تحزن إن الله معنا»، فقال أحد المشركين إن هذا العنكبوت لينسج خيوطه على هذا الغار من قبل ميلاد محمد، ثم انصرفوا، حيث أعمى الله سبحانه وتعالى أبصارهم عنه، وهنا يقول الحق سبحانه: «فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ»، وحفظ الله عز وجل نبينا صلى الله عليه وسلم وصاحبه من كل سوء ومكروه».

ويوضح أن هذا زعم باطل ووهم يسيطر على عقول المتطرفين الذين يهربون من بلادهم بعد ارتكاب جرائم عنف فيها، ويقول: «لا هجرة الآن إلى أي بلد بزعم إقامة دولة الإسلام فيه كما تزعم تلك الجماعات والتنظيمات الإرهابية الضالة، التي تحشد الشباب، وتجندهم وتغرر بهم بزعم إقامة دولة الإسلام، وهدفهم تخريب ديار الإسلام خيانة لدينهم وأوطانهم، وعمالة لأعداء أمتهم، فقد انقطعت الهجرة بمعني الانتقال من وطن إلى وطن لإقامة دولة الإسلام فيه بفتح مكة حيث يقول نبينا صلى الله عليه وسلم: لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْح وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ، أي لا هجرة بعد فتح مكة، ولما جاء صفوان بن أمية مهاجراً بعد الفتح قال له النبي صلى الله عليه وسلم:«مَا جَاءَ بِكَ يَا أَبَا وَهْبٍ؟ قَالَ: قِيلَ إِنَّهُ لا دِينَ لِمَنْ لَمْ يُهَاجِرْ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ارْجِعْ أَبَا وَهْبٍ إِلَى أَبَاطِحِ مَكَّةَ، فَقَرُّوا عَلَى مِلَّتكُمْ، فَقَدِ انْقَطَعَتِ الْهِجْرَةُ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ وَإِنِ اسْتُنْفِرْتُمْ، فَانْفِرُوا».

ويؤكد د.عبد الفتاح العواري، عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر والعميد السابق لكلية أصول الدين بالقاهرة، أن الهجرة النبوية رحلة سلام وأمان ومحبة وإخاء، كانت مرحلة فارقة في تاريخ دولة الإسلام، حيث أسست لقيم عليا، ومبادئ سامية، بنيت جميعاً على الإيمان بالله الواحد الذي لا شريك له، وانتظمت القيم الإيمانية والأخلاقية والإنسانية فكانت معطياتها قمراً منيراً، وسراجاً وهاجاً.

وعن دروس الهجرة النبوية يقول د.العواري: «البشرية كلها اقتبست من هدي هذا الدين الذي حمله النبي العربي محمد صلى الله عليه وسلم، مبادئ الحق والعدل والخير، وقامت الحضارات، وشارك في إقامتها المسلمون، وأتم ما تكون الحضارات التي شارك المسلمون فيها بقيم التسامح والعفو، وقيم التآلف والرحمة، وقيم التعاون على البر والتقوى، فما تنكرت أمة الإسلام لأحد، بل كانت شريعتها تسع العالمين».

ويشير إلى أن من دروس الهجرة «درس اليقين، والإيمان الصادق بالله، والتوكل عليه مع الأخذ بالأسباب»، فما ترك النبي سبباً من الأسباب المادية من أجل إنجاح هجرته إلا وخطط له، وأخذ به، وأتقنه وجوده، وبعد ذلك توكل على مسبب الأسباب... كما أن الهجرة أرست لمبادئ القيم، ووضعت دستوراً يحقق التعايش والوحدة بين جميع من يعيشون في الوطن، وإذا أراد المسلمون أن يحققوا الهجرة الصادقة، ويتعلموا درساً مفيداً من هجرة حبيهم؛ فعليهم أن يهجروا البغضاء والشحناء والحقد والكراهية».

ويوضح د. علي عثمان شحاتة، أستاذ الثقافة الإسلامية بجامعة الأزهر أن دروس رحلة الهجرة النبوية كثيرة في مقدمتها ضرورة التخطيط لأي عمل يقوم به الإنسان، فالصحبة الصالحة من عوامل النجاح، ويقول: «لا شك في أن التخطيط البشري في الهجرة كان مبهراً، ومع ذلك لا يمكن أن نقتطعه من سياق التأييد الإلهي، وذلك لأنه تخطيط نبي، وليس تخطيط بشر عادي، وما تضمنه من آيات ومعجزات تخللت الرحلة من أولها؛ كالنعاس الذي غشي القوم، وما حدث أمام الغار، وما حدث لسراقة.. أيضاً إخبار الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلّم بما يخططون، فالعصمة العامة من الله لنبيه صلى الله عليه وسلم، حتى يتم الرسالة، والهجرة في الأصل كانت بأمر من الله تعالى، فإذا أمره فهو ناصره وهاديه».

ويوضح د. شحاتة أن من بين دروس الهجرة وعوامل نجاحها (انتقاء الصحبة) وقد اختار النبي أفضل المقربين إليه وهو أبو بكر الصديق، وكان نعم الصحبة، وقد قدر الله أن يكون من عوامل النجاح في الهجرة إلى جانب الأعوان المخلصين الأوفياء.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5exa5v7a

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"